الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الملك الحقِّ المبين، عالم الغيب والشهادة وهو العزيزُ الحكيم، نحمده سبحانه وتعالى وبه نستعين، ونستهديه جل وعلا ونتوب إليه ونستغفره وهو الغفور الرحيم.
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ، ويقول الرسول : «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته»
أيها المسلمون، لم تكن تربية الأبناء أبداً أمراً سهلاً على الآباء والأمهات، لكن الصعوبة في التعامل تبدأ مع سن المراهقة، أقصد عند سن البلوغ، تلك المرحلة تكمن في انتقال الابن من الطفولة إلى عنفوان الشباب وتمرده، فقد صار أكبر حجماً، لغته أقوى، يستطيع مناقشة من هو أكبر منه بنفس المستوى، وهو بالتالي أجرأ على تجاوز الخطوط الحمراء.
وهذا يتطلب منك أيها الأب أن تنتبه للأخطاء التي يقع فيها معظم الآباء دون وعي بل ممارساتهم
• أولاً: تؤذي أبناءهم.
• وثانياً: لا تقوِّم سلوكهم.
نستعرض في هذه الخطبة أكبر الأخطاء شيوعا يقع فيها الآباء في تربية أولادهم المراهقين!
• الخطأ الأول: المحاضرات والأوامر بدلاً من لغة الحوار: يأتي هذا التصرف من اعتقاد الأب أن ابنه طائش، غير عقلاني في تصرفاته، ومن أكثر الجمل شيوعاً عندما يبدأ المراهق بالتحاور مع أبيه (لا تناقشني أنا والدك وأنا أدرى بمصلحتك منك)، (أنت ما زلت صغيراً، ولا تدري ماذا تفعل)، جمل يقطع بها الوالد كل سبل التواصل الممكنة بينه وبين ابنه، ويحاول بها تسيير ابنه، والتحكم بأسلوب حياته، وهذا الأسلوب قد يمنع المراهق من أن يفكر حتى ببدء حوار مع أبيه، لأنه يعلم نتيجة ذلك الحوار مسبقاً، وأنه سينتهي بأوامر ونصائح هو في غنى عنها.
نقول للآباء والأمهات، إن كثرة الكلام لا تجدي ما دمنا لا نجعلها مع أشياء أخرى في التواصل مع أبنائنا.. فنحن نعلم أن الكلام لا يشكل إلا نسبة 7% من لغة التواصل، فهناك 93% لا تحصل بالكلام، من خلال رنة الصوت، ولغة الجسد..
وهذا نراه جيدا في ما فعله الرسول مع ذلك الغلام الذي جاءه يقول: يا رسول الله اذن لي بالزنا !.. كيف كان تعامل الرسول معه؟ هل اكتفى بالكلام فقط وإلقاء الخطب على الغلام؟؟ كلا.. لقد سلك مسلك التكامل في التواصل، فتكلم مع الغلام، واستعمل رنة الصوت الحانية، ولغة الجسد الموجهة..”أترضاه لأختك؟ أترضاه لأمك؟…”
• الخطأ الثاني: التجاهل، وضعف المقدرة على التواصل: (ابني المراهق لا يكلمني، لا أستطيع التواصل معه، أتمنى أن أكسب ثقته ليفتح قلبه لي). من الغريب أن الآباء وعلى الرغم من إدراكهم لعمق الهوة بينهم وبين أبنائهم المراهقين، إلا أنهم لا يبذلون جهداً لمحاولة التواصل معهم، وتأتي الحجة بأنهم لا يستطيعون فهم أبنائهم المراهقين، وأبناؤهم كذلك لا يفهمونهم!
• الخطأ الثالث: التركيز دوماً على سلبيات المراهق، وتجاهل إيجابياته : وذلك يعود للمعتقدات السائدة المتعلقة بهذه الفترة العمرية، والتي تنظر للطفل وكأنه كتلة من الأفعال السلبية غير المقبولة أسرياً واجتماعياً، وقد لا تأتي هذه الفكرة من خبرة سابقة للأب، ولكن قد تكون نقلاً على ألسن بعض الآباء الذين كانت لهم تجربة سيئة مع أبنائهم المراهقين.
• الخطأ الرابع: تقييم المشاكل على أساس التفوق الدراسي: قد تقتصر فكرة الأب عن المشاكل التي قد يواجهها ابنه المراهق في مشاكل الدراسة والتحصيل العلمي، فالأب يرى أن ما يجب أن يشغل بال المراهق هو دراسته وتحصيله العلمي، وغير ذلك لا يعد مشكلة في نظره، وذلك فيه ظلم للمراهق وللتغيرات الكبيرة التي يمر بها وتؤثر على طريقة تفكيره ومشاعره وسلوكياته، وتؤسس لبناء شخصيته.
• الخطأ الخامس: الاعتماد التام على الأم في التربية: صعوبة التفاهم بين الأب والمراهق، وقلة التواصل بينهما تجعل الأب يوكل أمر تربية الابن أو الابنة في مرحلة المراهقة إلى الأم لظنه أن الأم أقدر على استيعاب التغيرات التي يمر بها المراهق، والتعامل معها. وهذا معتقد خاطئ، فشخصية الأب الديناميكية في هذه المرحلة تؤثر كثيراً على نضج ووعي المراهق وعلى الإشباع العاطفي والثقة بالنفس التي يحتاجها الأولاد والفتيات على حد سواء..
فاحذروا رحمكم الله من التفريط في تربية الأبناء، أو التخلي عن المسؤولية تجاههم، فهذا هو الغدر، وتلكم هي الخيانة، وذلكم هو الغش الموصل إلى النار، أخرج البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من حديث مَعْقِل بْن يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ َ يَقُولُ: “مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ”، فارعوا أبناءكم، وأدوا أماناتكم، وانصحوا لأولادكم، فكلٌ مسؤول عن رعيته، وقَالَ : “وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا”(أخرجه مسلم).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وفي هدي سيد المرسلين وأجارني وإياكم من عذابه المهين، أقولُ قولِي هذَا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُمْ ولجميعِ المسلمينَ، فاستغفرُوهُ يغفرْ لكمْ.
الخطبة الثانية :
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين أصطفى..
عباد الله، إن مما يحزن له القلب ويتفتت له الفؤاد أن ترى كثيرًا من الناس قد أهملوا تربية أولادهم، واستهانوا بها وأضاعوها، فلا حفظوا أولادهم ولا ربوهم على البر والتقوى، بل وللأسف الشديد إن كثيرًا من الآباء أصلح الله أحوالهم يكونون سببًا لشقاء أولادهم وفسادهم، قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى