الجلسة السادسة : مشاريع خادمة للسيرة النبوية


إن خدمة سيرة المصطفى واجب ينبغي أن يحظى بالنصيب الأوفى من جهود العلماء والهيئات البحثية والمؤسسات الأكاديمية.
ومن المعلوم أن استخدام التقنيات الحديثة في مجال البحث العلمي أصبح مطلباً من مطالب العصر وحتمية يفرضها التقدم المذهل في مجال تقنيات الحاسب وعلوم الاتصال وسيادة بيئة المعلومات الرقمية وشرائح المعلومات، التي أصبحت سمة هذا العصر.
ومن أولى من سيرة المصطفى بأن تسخر هذه التقنيات والأدوات البحثية الجديدة لخدمتها؟
ومشروع الأطلس التاريخي للسيرة النبوية الذي يجري العمل فيه حالياً، وتنهض دارة الملك عبدالعزيز بالرياض بمهمة إنجازه وأتشرف بإدارة أعماله ومتابعتها، هذا المشروع يعد من أبرز المشاريع الخادمة للسيرة النبوية في العصر الحاضر، وهو يتميز بتوظيف التقنيات الحديثة في دراسة السيرة النبوية الشريفة، كما أنه يتميز بأنه مشروع جماعي تشارك في تنفيذه فرق عمل علمية وفنية متعاونة متكاملة.
والمشروع يتضمن أحداث السيرة النبوية كافة التاريخية والحضارية، ويقوم على توثيق الأحداث من مصادرها الأصلية أولاً، ثم تطبق المعلومات على أرض الواقع من خلال أعمال ميدانية تقوم بها فرق عمل عملية وفنية متخصصة، وتستخدم فيها أجهزة وبرامج حاسوبية متطورة في مجال علم الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية، وعلوم الفضاء، والاتصالات، تمكن من تحويل المعلومات النظرية إلى خرائط ثلاثية الابعاد، ورسوم بيانية وجداول إحصائية، وأشكال إبداعية، وفق منهج جديد وأسلوب متميز وبمواصفات فنية تقنية عالية.
ومن أبرز أهداف المشروع:
توثيق أحداث السيرة النبوية، ومعالمها ومواقعها من مصادرها الأصلية، ومن واقع التتبع الميداني.
توظيف إمكانات التقنية الحديثة في خدمة سيرة الرسول .
إعداد مرجع علمي متميز في السيرة النبوية يقوم على تحويل النصوص التاريخية المدونة في المؤلفات المكتوبة إلى مخططات، وأشكال وخطوط ومسارات مرئية في ثنايا خرائط وصور فضائية باستخدام وسائل بحثية حديثة متطورة.
توفير مواد إيضاحية ووسائل تعليمية ممثلة في محتويات الأطلس تسهم في بناء مناهج السيرة النبوية وتساعد في دراسة السيرة النبوية وتدريسها في مختلف المراحل التعليمية وبمختلف اللغات. وتعميمها من خلال إدخالها في ميدان وسائل التواصل الحديثة من حواسيب وأجهزة ذكية.
والمشروع قطع بفضل الله مراحل متقدمة، وليس الغرض من هذه الورقة التعريف التفصيلي بالمشروع نظرياً، وإنما عرض خلاصة تجربة استخدام الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية التاريخية والمرئيات الفضائية في خدمة السيرة النبوية الشريفة من خلال تجربة العمل في المشروع، وبيان ما ظهر من صعوبات وكيفية التغلب عليها، وما برز من فرص وفوائد، ثم عرض بعض النماذج التطبيقية التي توضح تلك الفوائد والفرص.
من أهداف طرح هذه الورقة في تجمع أكاديمي يضم عدداً كبيراً من المتخصصين في السيرة النبوية الاستفادة من آرائهم كتغذية راجعة تثري التجربة، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى إحداث نوع من الحراك الإيجابي في أوساط الباحثين في ميدان السيرة النبوية الرحب والساعين لخدمتها.
والورقة تتضمن مدخلاً وثلاثة محاور رئيسة وفق ما يلي:
مدخل: تعريف نظم المعلومات الجغرافية التاريخية (HGIS):
هي تطبيق تقني جديد يمثل جسراً بين علم الجغرافيا وعلم التاريخ ويساعد في تحويل المعلومات التاريخية الوصفية النظرية إلى منتجات رقمية مرئية في هيئة خرائط ثلاثية الأبعاد ورسوم بيانية وجداول إحصائية وغيرها، كما أنه يساعد في بناء قواعد معلومات بيانية إلكترونية سهلة الاسترجاع والإضافة، متعددة المواد (نص، وثيقة، خريطة، صورة …الخ) كما أنه يتيح إمكانات واسعه في تتبع المتغيرات المكانية عبر التاريخ وكذلك حساب المسافات والمساحات والارتفاع بدقة.
وهذه التقنية حديثة نسبياً وقد اخذت بها عدد من الدول المتقدمة تقنياً وأنشأت مراكز نظم معلومات جغرافية تاريخية لخدمة تاريخها الوطني ومنها على سبيل المثال:
< مركز نظم المعلومات الجغرافية التاريخية في جامعة هارفرد بأمريكا.
< مركز نظم المعلومات الجغرافية التاريخية في بريطانيا.
< مركز نظم المعلومات الجغرافية التاريخية في الصين.
وقريبا قبل نحو سنة ونصف انشئ في المملكة العربية السعودية المركز السعودي لنظم المعلومات الجغرافية التاريخية في دارة الملك عبدالعزيز، وهو الذي يتولى الجانب الفني التقني في مشروعنا هذا الذي نتحدث عنه.
ولعل من المناسب أن أشير هنا إلى أن نظم المعلومات الجغرافية التاريخية (HGIS) هي أداة بحث مهمة في مجال الدراسات التاريخية ومنها دراسة السيرة النبوية، ودخولها ميدان البحث التاريخي في العالم العربي والإسلامي سوف يحدث تغيراً ونقلة نوعية في ممارسة مناهج دراسة علم التاريخ بحثاً وتدريساً.
واعتقد أن تطويعها والتوسع في استخدامها على مستوى الأفراد والمؤسسات وتأصيلها كمهارة بحثية في علم التاريخ وفي منظومة مناهج البحث فيه سوف يعد نقطة تحول تحسب للمؤسسة أو لمجموعة الأفراد الذين يتبنون أمر منهجية تطبيقها وإدراجها في منظومة أدوات البحث التاريخي في الجامعات الإسلامية ومؤسسات البحث الأكاديمي.
ولكن هذا الأمر ليس أمراً سهلا، فهي لا تزال منهجاً خارجاً عن المعهود لدى المؤرخين، وهناك قدر من الصعوبات والتحديات الفنية والمفاهيمية عند المؤرخين وعند المتخصصين في نظم المعلومات الجغرافية أيضاً، تجعل تطبيقها بالصورة المطلوبة وبمستوى من العموم أمراً يحتاج إلى جهد وتذليل لعدد من العقبات، لكنه في الوقت نفسة يحقق من الفرص والمكاسب والفوائد ما يجعله جديراً بالتبني والتطبيق في المشروعات العلمية.

الدكتور فهد الدامغ (مدير مشروع الأطلس التاريخي للسيرة النبوية بدارة الملك عبد العزيز – المملكة العربية السعودية)

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>