فقه التربية النبوية: آفاق ودلالات
إذا كانت التربية في أي عهد من العهود، علامة فارقة في حياة الناس، فإنها تعدّ في عهد النبوة أبرز علامة، فقد تحوّلت إلى منهج متكامل، فريد من نوعه، نقل البشرية من أوهاق الجهل والتوحّش، إلى أشواق العلم والمدنيّة، ومن إهدار الكرامة الإنسانية، إلى إعلاء قيم الإنسانية في كلٍّ من جانب العقل وجانب العاطفة، ومن الأثرة الرعناء، إلى الإيثار السامي، ومن الركون واليأس، إلى اعتلاء مرابع الأمل والثقة بالنفس.
ومنظومة القيم التربوية النبوية فريدة من نوعها، واقعية عملية؛ لأن أساسها رباني، وقوامها العلم والأخلاق، والعبادة الصحيحة، ترتبط فيها العبادة والعلم بالأخلاق، فلا تناقض ولا انفصال بين القول والعمل، ولا بين الجانب النظري أو الجانب العملي، ولا تنفصل في هذا الفقه الصلة بالله عن الصلة بالناس.
قامت تلك المنظومة على عدد من الأشكال والصور، كتربية النبي الكريم لأهله، وقومه، وأصحابه، وعموم الناس، وقد تمثّل فيها أفق فقه التربية أحسن ما يكون؛ فقد أنشأ النبي الكريم مجتمعاً متيناً راسخ الجذور، من خلال هذه الأشكال أو الصور، التي استنبطت من أقواله الشريفة، وحياته العملية، فكان الجيل الفريد الذي انطلق بالعقيدة والسلوك إلى آفاق الدنيا فاتحاً ومعلماً ومرشداً.
وكانت قدوة النبي الحسنة لأهله وعشيرته وقومه وأصحابه والناس أجمعين، أساسا في هذا الإنجاز، إنجاز التربية العظيم، حيث وظّف طاقاتهم للمشاركة في العطاء والبناء، وصاروا نماذج عملية، وقدوات حسنة لمن جاء بعدهم.
الأستاذ أحمد طاهر أبو عمر (مدير تحرير مجلة الفرقان الأردن)