من فـقه منهاج الإصلاح في السيرة النبوية 1


مقدمات ممهدات :

ننطلق في هذا الموضوع من عدة مقدمات :
- إن الله تعالى خلق الخلق في أحسن تقويم ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وخلق ابن آدم في البدء صالحا مصلحا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم .
- إن مهمة الرسل والأنبياء إرجاع الناس إلى أصل الفطرة بعد أن اجتالتهم الشياطين، قال رسول الله في حجة «إن الزمان قد استدار كيوم خلق الله السموات والأرض».
- إن الرسل السابقين ركزوا في منهجهم الإصلاحي على أشهر ضروب الفساد في أقوامهم كالفساد العقدي أو الأخلاقي أو الاقتصادي أو السياسي. لكن الرسول الخاتم محمد بن عبد الله حمله الله تعالى أمانة الإصلاح الشامل الكامل: إصلاح الفرد والمجتمع. إصلاح العقيدة والعبادة والأخلاق والسياسة وغيرها.
- إن منهج محمد في الإصلاح منهج رباني معصوم منطلق من الوحي، سائر على هدى الوحي. منهج شامل، واقعي وواضح.
- إن صراط الله تعالى المستقيم له وجه علمي هو الوحي ووجه عملي تطبيقي هو السيرة.
- إن الأمة لن يصلح حالها إلا إذا اتخذت منهج رسول الله وسيلة إلى ذلك، لذلك وجب على العلماء والدعاة ورواد الإصلاح بذل الجهد لاستنباط نهجه القويم وبيان محجته البيضاء.
وهذه محاولة متواضعة للمساهمة في هذا الموضوع الشاسع هي أقرب إلى زفرة مفؤود منها إلى بحث أكاديمي.
نظرات في أفق فقه منهاج الإصلاح من خلال السيرة.
لبناء فقه صحيح للمنهاج النبوي في الإصلاح لا بد من:
< الحسم في أمر مصادر السيرة.
إن استنباط منهاج صحيح من خلال السيرة لا يتم إلا انطلاقا من نصوص صحت روايتها لحوادث صح وقوعها، وإلا فما بني على باطل فهو باطل، وما استنبط من حدث واه فهو أوهى منه.
< الشمول والترتيب:
إن استنباط الهدي النبوي في الإصلاح يستحيل ما لم يبن على استيعاب شامل لكل أعماله وأقواله وتقريراته وأحواله- ما أمكن ذلك- مرتبة على خط زمني واضح هو حياته من الميلاد إلى الرفيق الأعلى.
لذلك فإن الحل يكمن في إخراج سيرة صحيحة شاملة يستطيع العلماء المصلحون أن يطمئنوا إليها لاستنباط الهدى المنهاجي منها.
< مدارسة السيرة: دراسة لغوية للسيرة، ودراسة مراحل السيرة، ودراسة موضوعية للسيرة.

أ – دراسة لغة السيرة:
السيرة النبوية هي التنزيل العملي للقرآن الكريم، فهي فهم رسول الله للقرآن، وإحلال مقتضيات هذا الفهم في الأنفس والواقع.
وقد دونت أقوال رسول الله وأفعاله وأحواله باللغة التي كان يفهما جيل النموذج ويتداولها، لذلك فإن الطريق لفهم نصوص السيرة هو فهم اللغة التي دونت بها كما كان يفهمها أهلها، لأن المصطلحات والألفاظ حملت معاني ودلالات جديدة عبر العصور حتى ابتعدت كثيرا -في بعض الأحيان- عن معناها الأصلي، وأحسب أن الحل يكمن في الدراسة المصطلحية التي دعا ويدعو إليها أستاذنا الدكتور الشاهد البوشيخي حفظه الله تعالى.

ب- دراسة مراحل السيرة:
إن المنهاج النبوي في الإصلاح بناء متكامل وضع لبنة لبنة، ومرحلة تتلوها مرحلة، لكل مرحلة زمنها ووسائلها وأهدافها وعلاقاتها، حتى اكتمل البناء واتضحت الصورة.
ولا بد لفهم حدث من حوادث السيرة أو دراسة نص من نصوصها من وضعه ضمن سياقه التاريخي ومرحلته من السيرة.
هذه المراحل في المنهاج النبوي تنسجم والمنهاج الفطري في الكون حيث خط السير ثابت مسترسل لا ترى فيه عوجا ولا أمتا، ولا قفز فيه ولا حرق للمراحل..
ج- دراسة موضوعية للسيرة:
تقتضي هذه الدراسة تتبع خط سير النبي وهو يبني القدوة في موضوع معين ضمن نسق شامل، لنتبين كيف وضعت أسس هذا الموضوع، وكيف سار فيه خطوة خطوة إلى أن اكتملت صورته في شكله النهائي.
فموضوع التربية مثلا وموضوع المال وموضوع الجهاد وغيرها من المواضيع، لها منطلقات وأسس علمية في السيرة ولها مراحل في التنزيل.
مقترح تصميم لمنهاج الإصلاح النبوي من خلال السيرة:
يهدف هذا المبحث إلى وضع خطاطة لمنهج الإصلاح في السيرة العطرة انطلاقا من رؤية شمولية لها وما تجمع من نصوصها وحوادثها مع التركيز على الهدايات المنهاجية وتتبع خط سير النبي دون كبير التفات إلى الحوادث الهامشية معتمدا في الفصل بين المراحل على الحوادث المفصلية للسيرة، وبناء عليه نفصل الحديث في :
منهج الاصطفاء والإعداد من خلال السيرة النبوية: من الميلاد إلى البعثة.
منهج تكوين نواة الجسد المسلم: مرحلة الدعوة الخاصة.
منهج بناء الجماعة المسلمة: من الصدع بالدعوة إلى عام الحزن.
منهج رص الصف المسلم: من الهجرة إلى غزوة بدر.
منهج تثبيت الصف المسلم وتمحيصه: ما بين بدر والخندق.
منهج نشر الإسلام في الأقربين (الجزيرة العربية): من الخندق إلى الفتح.
منهج نشر الإسلام خارج الجزيرة العربية: من الفتح حتى الوفاة.

الدكتور يوسف العلوي باحث بمؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)


اترك رداً على زكية برواين إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

One thought on “من فـقه منهاج الإصلاح في السيرة النبوية