قبسات من سيرة المصطفى :
الابتسامة
الابتسامة في وجه الآخر خلق شرعي حث عليه الإسلام من خلال العديد من النصوص، لما لها من أثر سريع في القلوب، وأقرب باب إلى النفوس، ولا شك أنها من الخصال الحميدة التي أجمع الخلْقُ على استحسانها وامتداح صاحبها، لأنها من الأمور التي فطر الله تعالى الناس عليها، ولذلك فهي من آداب الفطرة بامتياز.
ولقد كان رسولنا الذي مدحه رب العزة بقوله تعالى: وإنك لعلى خلق عظيم، أكثر الناس تبسُّمًا، وأدومهم طلاقة وجهٍ، لا يفرق في ذلك بين كل من يلقاه، حتى صارت الابتسامة عنوانا له في كل وقت وحين، وكان لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله.
لقد كان لبشاشته دور كبير في تجميع النفوس وتأليف القلوب، كما في وصف الله تعالى له : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.
وتبعا لذلك فقد أثرت عن رسول الله أحاديث عديدة في الموضوع :
ففي صحيح مسلم قوله : «لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق»، وكما في الحديث المشهورأيضا:
و في سنن الترمذي: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لك صدقةٌ، وأمرُكَ بالمعروفِ ونَهْيُكَ عن المنكرِ صدقةٌ، وإرشادُك الرجلَ في أرضِ الضلالِ لك صدقةٌ، وبَصَرُكَ للرجلِ الرِّدِيءِ البصرِ لك صدقةٌ، وإماطتُكَ الحَجَرَ والشَّوْكَ و العَظْمَ عن الطريقِ لك صدقةٌ، وإفراغُكَ من دَلْوِكَ في دَلْوِ أخيك لك صدقةٌ».
وروى الترمذي عن عبدالله بن الحارث بن جزء، قال: «مارأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله ».
وروى البخاري ومسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ »
وروى البخاري ومسلم أيضا وغيرهما عن جرير قال: ” مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلا رَآنِي إِلا تَبَسَّم”.
وروى البيهقي في شعب الإيمان، قوله : «إِنَّكُمْ لا تَسَعون النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْط الْوَجْه، وَ حُسْنُ الْخُلُق».
وفي مسند أحمد، عن أبي جُرَىّ الهُجَيمي،قال: « أتيت رسول الله فقلت يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا الله تبارك وتعالى به قال: «لَاتُحَقِّرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنَ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ المُسْتَقِي، وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَ وَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطُ، وَلَا تُسْبِلِ الإِزَارَ؛فَإِنَّهُ مِنَ الخُيَلَاءِ، وَالخُيَلَاءِ لَايُحِبُّهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَإِنِ امْرؤُ سَبَّكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلَا تَسُبُّهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيِه؛ فَإِنَّ أْجَرهُ لَكَ وَ وَبالَهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ»
وفي طبقات ابن سعدعنْ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أَنَّهَا سُئِلَتْ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَاخَلا فِي بَيْتِهِ، قَالَتْ : «كَانَ أَلْيَنَ النَّاسِ وَأَكْرَمَ النَّاسِ وَكَانَ رَجُلا مِنْ رِجَالِكُمْ إِلا أَنَّهُ كَانَ ضَحَّاكًا بَسَّامًا».
فلنسأل أنفسنا إلى أي حد نقتدي برسول الله في هذا الجانب السلوكي؟ وخاصة في هذا الزمن البئيس الذي طغى فيه الغضب والعدوانية !