هي العلامات الصغرى للانبعاث، تتبدى ملامحها في طي المحن التي طالت العالم الإسلامي وأردته إلى هذا التشرذم الذي عز نظيره حتى غدت الفرقة والتفتت هو الأصل. ولا «نزال نطلع على خائنة من الأنفس» حيث سمعنا وقرأنا لمن يطلق التنظير يمنة ويسرة لحقوق الأقليات، طائفية وجنسية حتى الشاذ منها، بل امتد فيروس التفكيك ليطال مطالب الاستقلال عن كيان الدولة المركزية بحجة الحق في تقرير المصير، بل تم استنبات الكيانات الوهمية المبنية على معارضات «دون كيشوتية» في أحشاء الدول العربية ذات السيادة (نموذج البوليساريو). وعبر وسائط الإعلام فايس بوك وتويتر وغيرهما انخرطت جهات معادية للسلام وللمسلمين لتأجيج شعلة الانفصال، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وانساق العوام وراء كل ناعق يلمع سلعة مسمومة تروم تمزيق اللحمة التي قال فيها رسول الله «المؤمن قوي بإخوانه ضعيف بنفسه».. وفي المقابل تعكف قوى غامضة خارجية خبيثة على تضخيم الصراعات وتحريك جيوش من العوام من أبناء المسلمين لإفناء بعضهم البعض تحت لواء لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتكتب بالأحرف العريضة وبكل وسائط الاتصال المدسوسة أخبار ذلك التشرذم، وتسلط العدسات الماكرة ضوءها على الذبح وعلى اختطاف النساء وجهاد النكاح وترويع الآمنين وطردهم من ديارهم كما في حالة مسيحيي العراق (وهي بالمناسبة هستيريا إرهابية لا علاقة لها بالإسلام بكل وضوح بل بفبركة صانعي أفلام هوليود كما شهد بذلك شهود من أهلهم، والفاهم يفهم) وفي صفوف المسلمين أنفسهم تهرق دماء القتلة والمقتولين ما بين سنة وشيعة، «وبشراهم جهنم» مصداقا لحديث رسول الله : «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه»، والقوى الغامضة تطعم الشعوب الغربية قناعات مغلوطة قصدا، قوامها هؤلاء هم المسلمون، وهذا هو دينهم الإسلام الإرهابي الذي يحثهم على القتل والإرهاب. وعلى الصعيد الثقافي تنشط لوبيات شبابية من أبناء المسلمين قبل الغربيين بركوبها هذه الموجة العدائية للطعن في ثوابت الدين ومعالمه الراقية بالجدال التشويهي لآيات القرآن والسخرية المتطرفة من زيجات رسول الله بل والضرب المستمر لكثير من تعاليمه الريادية للعالمين، ناهيك عن التنكيت والتبخيس لشخص الصحابة والصحابيات رضوان الله عليهم وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم، بل أحدثت على سبيل المثال مواقع لا لنقاش فرضية الحجاب من عدمه بشكل هادئ وعقلاني متزن بل لتسفيه الأمر الرباني بالحجاب ونشر أخبار كل من تنزع الحجاب مع تعليقاتهن المعبرة عن سعادتهن بالتخلص من «خرقة» هي رمز «التخلف والإنحطاط». وانضم كتاب وكاتبات يعوزهم الرشد في التعاطي مع مصادر مقدسة كتابا وسنة للسخرية من الزي الإسلامي. وفي مواقع أخرى لمسلمات، فتح الباب لسب البكارة ونعتها بجلدة ملعونة الخ.
وفي غمرة هذا التكالب من المسلمين أنفسهم على ثوابتهم خلا الجو لإستئصاليي دول العالم الخارجي بأوربا وآسيا وإفريقيا فعاثت الصين الشيوعية في تذبيح وإهانة المسلمين وتبعتها دول أخرى كروسيا. وبتدبير من مشغلي صناعة هوليود بشقها السينمائي والواقعي جرت دماء المسلمين بين مشانق الشيعة بالعراق وسوريا واليمن الخ، وعروض سحل المسلمين من طرف الهندوس بآسيا وسواطير مجرمي إفريقيا السمراء من المسيحيين الجهلة لا الصادقين المعتزلين للفتن.
هي إذن محن كقطع الليل المظلم، زج في غياهب ظلماتها بالكثير من المسلمين الشباب في المعتقلات بلا تمييز وأحيانا بتمييز يهدف إلى التخلص من الجميع وسطيين ومتطرفين.
دون أن نهمل طرفا خطيرا من لعبة تفكيك العالم العربي وتتلخص في ضرب الرموز السياسيين والفكريين من المسلمين ذوي الحضور والتأثير القوي على الجماهير بالتحريش بينهم لفض الناس عن جاذبيتهم ودفعهم إلى رفض مشروعهم الإحيائي (نموذج ما تم نسجه بليل للشيخ فتح الله كولن والرئيس التركي رجب أردوغان، لكسر مشروع كولن التعليمي والتربوي الرائد في العالم وفي الوقت نفسه التشويش على مواقف رجب أردوغان الإسلامية البطولية إزاء الوضع العربي المهين، وإسقاطهما في ضربة معلم تتخلص من الشوكتين).
ومن يرقب المشهد الدموي الذي أتينا على ذكر غيض من بحور همجيته سيخلص بكل تأكيد إلى أن هذا الخراب المعمم ليس تلقائيا ولا عشوائيا.. فيا لهم من أبالسة لا يتعبون من الإفساد في الأرض. ومع ذلك فهم بإذن الله ومن حيث لا يشعرون يشتغلون على مشروع الإحياء الإسلامي وقد أرادوا إقباره. وتورد مجموعة من الدراسات العلمية الرصينة إحصاءات هذه البشرى التي تتلخص في أن العاقبة للمتقين إذ ارتفع عدد معتنقي الإسلام بشكل عملاق في أوربا وأستراليا وشمال أمريكا. والملاحظ أن المعتنقين للإسلام خلال سنوات اشتداد المحنة أكبر، لأن الله سبحانه القوي القادر على سحق رؤوس التفكيك في أقل من طرفة عين، قدر فنعم القادر، بترك المفسدين يحفرون قبورهم بأيديهم وهم يحفرون قبور المسلمين إلى حين، وفي نفس التوقيت يصنع سبحانه على عينه الصالحين والمصلحين. وهم بحمد الله يتكاثرون وفي كل المواقع حتى الحساسة منها سياسيا واقتصاديا وعلميا، كما الرضيع موسى في قصر فرعون ليكونوا للظالمين عدوا وحزنا (ونقصد بالعدو الظالمين الذين يكيدون للمسلمين لا الشعوب الغربية المسالمة). وقد أورد الدكتور زغلول النجار في إحدى مقالاته العلمية أن زهاء 37 عالما غربيا اعتنقوا الإسلام على يديه خلال محاضرة ألقاها حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. وهناك صعود عجيب للعشرات من أبناء المسلمين إلى مواقع القيادة بالدوائر السياسية الغربية، كما أن شباب المسلمين من المثقفين والفنانين والمشاهير يفتحون مع مطلع كل يوم جديد منابر للتعريف بالإسلام واستقطاب أعداد كبيرة من الغربيين وعلى رأسهم النساء والشباب. وقد عرفت (على سبيل الذكر) ألعاب كرة القدم العالمية التي جرت أطوارها بالبرازيل توزيع كم هائل من نسخ القرآن الكريم. وتضع إحصائيات وازنة تاريخ 2050م موعدا لتحول القارة الأوروبية في الربع منها إلى مسلمين..
وختاما هي محنة عظيمة نشهد فصول هوان المسلمين الأكثر إيلاما في تفاصيلها عبر كل مناطق العالم، وأشد إيلاما فيها وإبكاء للحجر، منظر النساء المسلمات الشريدات عبر الحدود وبين يدي الهمج من عسكر المسلمين كما في التغريبة السورية. والأفجع، محنة المسلمين بإفريقيا التي فاقت في وحشيتها كل تصور إذ وقف مسيحي إفريقي مزهوا أمام كاميرات العالم وهو يأكل ساق مسلم بعد أن سحله وشواه كما لو كان مجرد قطعة لحم. ومع ذلك فالمنحة تنبجس كالفجر الوضيء من غياهب العتمة وأوار المحنة وما هذه البربرية التي تزداد شراسة من لدن أعداء الإنسانية إلا لأن عيون رصدهم أكدت بالحجة الرقمية نذر سقوطهم وتباشير انبعاث أمة الخيرية للإنسانية، فلنعمل بصدق وحرقة وجهد وننتظر إنهم منتظرون.
ذة. فوزية حجبـي