… ظلت أوروبا جاثمة على صدور العالمين لمدة قرون… فعاث رجال الدين ومن والاهم من الملوك والأمراء في الأرض فسادا يقتلون العلماء ويستحيون السفهاء بادي الرأي، أما عامة الشعوب فمكبلة بسلسلة ذرعها السماوات والأرض من الفقر والجهل والتخلف والفساد… واستمرت الحال على ما كانت عليه حتى بزغ نور الإسلام، فملأ الأرض عدلا ونورا وعلما ورحمة.. ففتح القلوب قبل أن يفتح الأمصار ودخلت الشعوب المضطهدة في دين الله أفواجا.
دخل الإسلام من الشعوب الأوروبية الألبان وأهل الأندلس وبلدان البلقان، بل وطرق الفاتحون المسلمون فرنسا مرتين على عهد عبد الرحمن الغافقي رحمه الله تعالى… ولولا هزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء عند أبواب (بواتييي) لكان القرآن يدرس الآن في كبريات الجامعات الأوروبية… ويحضرني هنا ما قاله المؤرخ الفرنسي (كوستاف لوبون) وقتها معبرا عن إقبال الشعوب الأوروبية على الإسلام: «الحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب، ولا ديناً سمحاً مثل دينهم، وإننا لا نذكر أمة كالعرب حققت من المبتكرات العظيمة في وقت قصير مثل ما حققوا، وإن العرب أقاموا ديناً من أقوى الأديان التي سادت العالم، أقاموا ديناً لا يزال تأثيره أشد حيوية من أي دين آخر..، وأنهم أقاموا من الناحية السياسية دولة من أعظم الدول التي عرفها التاريخ، وأنهم مدنوا أوروبا ثقافة وأخلاقا»
… فلما أحس دهاقنة الغرب وسدنتها -إضافة إلى الحاقدين على الإسلام من أبنائه أو بالأحرى المنتسبين إليه من أشباه المثقفين وشداد الآفاق- بأن الأرض بدأت تميل بهم والبساط يسحب من تحت أرجلهم، أجمعوا أمرهم وأتوا صفا واحدا لمحاربة الخلافة الإسلامية الممثلة آنذاك في الدولة العثمانية القوية فرموها من قوس واحد فسقطت ومعها سقطت بيضة المسلمين وهيبتهم. وتوالت عليهم النكبات وأصبحوا كالأيتام على مأدبة اللئام… مزقت أراضيهم كل ممزق واستبيحت أعراضهم ونكل بهم حتى أصبحوا غرباء في أراضيهم… وحيل بينهم وبين منابع دينهم الحق الذي ارتضاه الله لهم تارة بالتشويه، وطورا بالتخويف والتخوين والتحقير والذي تولى كبر هذه الأمور طابور خامس من المثقفين والإعلاميين… وحتى مشايخ الفتن والزور والفتاوى الجاهزة والشياطين الخرس من الساكتين عن الحق…. وهكذا حقق الغرب وكل من والاه وأعانه نجاحا باهرا على امتداد القرن الماضي في مسخ هوية الأمة وإبعادها عن دينها بشتى الوسائل والحيل حتى أصبح لدينا ولله الحمد الذي لا يحمد على مكروه سواه أجيال مغيبة وشباب مسطول كل همه تسريحة شعره المنكوش على هيئة الديكة والقنافيذ يذكرونك بالهنود الحمر أو بقبائل الزولو انكاتا في أدغال جنوب إفريقيا …
سنة سعيدة وكل هجرة وأنتم بخير.
ذ: عبد القادر لوكيلي