استمبول/ القسطنطينية، وتحقيق الوعد النبوي
قبل أن نكتشف خبايا «الميغابول» التركي /استمبول، ونقف على مآثرها الحضارية والعمرانية، لا بد من أن نعود القهقرى للنبش في تاريخ هذه المدينة الرائعة، فقد جاء في الحديث النبوي الشريف المروي عن عبد الله بن محمد بن شيبة، عن زيد بن الخباب أن رسول الله قال : «لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش»، على إحدى بوابات مسجد آيا صوفيا نقش هذا الحديث الذي كان حافزا أو ملهما للكثير من خلفاء آل عثمان للسعي من أجل فتح هذه المدينة، والتي كانت عاصمة للدولة البيزنطية…
بيزنطة..القسطنطينية…الأسِتانة… استمبول، أسماء عديدة لمدينة واحدة… امتزج فيها الواقع بالخيال.. والثراء المادي بالثراء الروحي الوجداني.. انتقلت من الحكم البيزنطي إلى الحكم الإسلامي، وكان محقق الوعد النبوي فتى لم يتجاوز عمره الرابعة والعشرين، إنه محمد الثاني ابن مراد الثاني الملقب بمحمد الفاتح، سابع الخلفاء العثمانيين… ولد فجر الأحد 26 رجب 833 هجرية/20 أبريل 1429 ميلادية بمدينة أدرنة عاصمة الدولة العثمانية آنذاك… وقد كان لشيخه ومربيه «آق شمس الدين» الأثر البالغ في نشأته الدينية ورغبته الملحة في أن يكون ذاك الأمير الذي بشر به المصطفى … تنازل له والده السلطان مراد الثاني عن الحكم وهو في الرابعة عشرة من عمره، إلا أن جيش الانكشارية انقلب عليه ليعود أبوه إلى العرش، لكن بعد وفاة مراد الثاني آلت إليه الخلافة وعمره اثنين وعشرين سنة، ومن تلك اللحظة وهو يتطلع إلى الضفة الأخرى من مضيق البوسفور ويتحين الفرصة لفتح القسطنطينية عاصمة بيزنطة… وفي السادس من أبريل سنة 1453م/26 ربيع الأول 857 هجرية، زحف بأسطوله الذي كان يضم ربع مليون جندي، بعد أن خطب فيهم خطبة مؤثرة، ذكرهم فيها بآيات الجهاد وبحديث النبي ، فحاول عبور المعبر المائي المسمى آنذاك «القرن الذهبي» غير أنه فوجئ بسفن الروم تسد عليهم المعبر، فبات يفكر في طريقة يدخل بها المدينة، وبعد ليال من التهجد والتفكير المضني، اهتدى إلى طريقة غاية في الطرافة، حيث أمر جنوده بسحب السفن عبر اليابسة بعد طلاء الأرض بالزيوت والشحوم، فأسقط في يد الروم وهم يرون سفن العثمانيين تحيط بأسوار مدينتهم من كل جانب، وكان الهجوم الكاسح يوم الثلاثاء 20 جمادى الثانية 857 هجرية/ 29 مايو 1453 ميلادية، وسقطت القسطنطينية بعد ثلاثة وخمسين يوما من الحصار، فتحقق الوعد النبوي، وبدأت نهضة أخرى في المدينة المفتوحة، فاعتنى محمد الفاتح بعد أن اتخذها عاصمة له ببناء دور العلم والاعتناء بالعلماء، كما وضع نظاما للامتحانات، وشق قنوات الري. وكان شيخه آق شمس الدين أول من ألقى خطبة الجمعة في مسجد آيا صوفيا… إلى أن لكل بطل نهاية، ففي الثالث من مايو 1481/ الرابع من ربيع الأول 886 هجرية لبى محمد الفاتح داعي الله بعد أن قام بتسميمه طبيبه «يعقوب باشا» وهو مسيحي كان يظهر إسلامه، بعد أن أحس أن محمد الفاتح يستعد لغزو مملكة البندقية كبرى ممالك إيطاليا، ووصل خبر وفاته إلى البندقية عن طريق رسالة من سفيرها في استمبول جاء فيها «لقد مات العقاب الكبير» وسرعان ما انتشر الخبر في سائر بلدان أوربا، فدقت أجراس الكنائس فرحا بموته بأمر من البابا… وهكذا بدأت الحكاية… ويالها من حكاية.
ذ: أحمد الأشهب
——–
المرجع المعتمد : محمد الفاتح بوابة غوغل بتصرف.