منهجيات أخرى للكتابة والتأليف 1


د. أحمد الطلحي

نشرت في العدد 418 من المحجة الصادر بتاريخ 17 أبريل 2014 مقالا بعنوان “الخطوات العشر للكتابة والتأليف”، وكنت قد وعدت بأن أعود للموضوع لاقتراح منهجيات أخرى تساعد على الكتابة والتأليف، لذلك فهذا المقال يأتي في هذا السياق.
الاقتراح الثاني (*) : تحويل المحاضرات أو المداخلات المسجلة إلى مقالات :
ما هو مشهور عن المغاربة، أن ثقافتهم شفوية أكثر، لذلك يلاحظ غنى تراثهم الشفوي. فترى العديد من المفكرين والمثقفين المغاربة علمهم غزير وفكرهم متميز، إلا أن إسهاماتهم وإنتاجاتهم لا تدون ولا توثق في أغلب الأحيان، فتضيع أو لا تنتشر بالمستوى المطلوب. على أنهم لا يتهاونون في نشر هذا العلم وهذا الفكر عبر المحاضرات والمشاركة في الندوات والمؤتمرات، وتسجيل الحوارات واللقاءات الصحافية بمختلف وسائل الإعلام.
لذلك، أقترح أن يتم تفريغ الأشرطة المسجلة وتنقيحها والعمل على نشرها على شكل مقالات أو رسائل أو كتب. وهذا الأمر يمكن أن تسهم فيه بعض الصحف والمجلات ودور النشر، تخفيفا لعبء العمل التقني على الكاتب. وأظن أن “المحجة” مثالا يحتذى في هذا الأمر.
الاقتراح الثالث: التسجيل الصوتي أو المرئي :
وهو بعكس الاقتراح الثاني، التسجيل يكون بهدف الكتابة، بحيث يعمد الكاتب إلى تسجيل نفسه بواسطة آلة التسجيل وغيرها، ثم يعمل على تفريغ الشريط وتنقيحه ونشر النص. بمعنى آخر، كل واحد منا يقوم بحوار داخلي مع نفسه، يحدث نفسه، حتى أنه في بعض الأحيان يرتفع صوتنا ونحرج أمام من سمعونا. وهذا الحوار الداخلي أمر طبيعي، هو عملية التفكير نفسها.
لذلك، فالاقتراح هو التفكير بصوت عال، حتى يتم تسجيله. والاستماع للتسجيل يكون مناسبة للتصحيح وللزيادة وللتوثيق… وهذه الطريقة يتبعها العديد من الناس، خصوصا عندما يكتبون مذكراتهم.
الاقتراح الرابع: إجراء حوار مع شخص آخر أو أكثر :
وهذا الأمر يمكن أن يكون عفويا، كما يمكن أن يكون مدبرا ومخططا له. كما أنه يمكن أن يكون بالمواجهة المباشرة أو عبر وسيلة اتصال كالهاتف والنت، وإذا كان عبر النت من خلال نوافذ الدردشة (الشات) أفضل أن يكون مكتوبا.
فبالنسبة للحوار العفوي، إذا رأى الكاتب أن ما دار من حوار بينه وبين شخص آخر أو أكثر فيه أهمية ما على مستوى: جدية الموضوع؛ نوعية المعالجة؛ أهمية المعلومات؛ أهمية الخلاصات والاستنتاجات التي تمخض عنها… لا ينبغي أن يترك كل ذلك للريح تنثره وتذهب به بعيدا في عالم النسيان. بل عليه أن يهرع بعيد هذا الحوار إلى تدوينه على شكل رؤوس أقلام أولا إن لم يسعفه الوقت، ليعود لتحريره كاملا بعد ذلك. وللأمانة العلمية، فالمقال السابق كتبته من خلال دردشة مع أحد الأصدقاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كنت أحاول أن أقنعه بالتأليف وتدوين تجربته في إحدى المجالات، وأخبرته بعد ذلك بأن الحوار الذي دار بيننا تم نشره في المحجة لأدلل له على يسر الكتابة وأن الإرادة هي التي تنقص وليس الوسيلة.
أما الحوار المدبر، فهو يكون أجدى من العفوي، ذلك لأن الكاتب يكون منشغلا بموضوع ما ويريد أن يشرك آخرين في مدارسته، فيعمد إلى فتح حوار معهم. وفي الغالب ما يكون هذا الحوار قد هيأه الكاتب في ذهنه أو سطره على ورقة، وبالتالي يكون الحوار ممنهجا فيؤتي أكله أفضل من العفوي. ويمكن أن يقوم الكاتب بإخبار من يحاورهم بأن الحوار منظم ومخطط له، كما يمكنه ألا يخبرهم بذلك. والحوار المنظم ليس غريبا في حضارتنا. فهذا الفن كان منتشرا وعرف بفن المناظرة، والاختلاف بينه وبين ما أقترح يتجلى في أن المناظرة كانت ولا تزال عبارة عن مباراة علنية تتم أمام جمهور من الناس، وبالتالي يكون فيها طرف رابح وطرف خاسر، أما الحوار المدبر فيكون الهدف منه هو أن يحدث احتكاك فكري بغية التوصل إلى نتائج أفضل، بمعنى آخر تفكير الذات مع الآخر بصوت مرتفع عوض التفكير مع الذات فقط.
الاقتراح الخامس: تدوين التفاعل بشكل فوري مع الأحداث أو المنشورات أو المشاهدات :
كل واحد منا عندما يقرأ مقالا أو دراسة أو خبرا، أو يسمع برنامجا إذاعيا، أو يشاهد برنامجا تلفزيونيا، أو يعاين حدثا ما أو يحضر نشاطا ما، أو..أو..، لا بد أن يحصل له تفاعل ما، بحيث يتكون له رأي خاص به أو يحصل له تأثر وجداني. أكيد أن كل ذلك يؤدي بنا إلى استفادة ما، على المستوى الفكري أو الشعوري أو السلوكي، لكن ليس من المؤكد أن هذه الاستفادة ستدوم أو ستنتقل إلى الآخرين. وبالتالي فالعلاج الوحيد هو التدوين، ويكون صادقا وصحيحا وأمينا إذا كان فور حدوث التفاعل. لهذا تحرص المواقع الإلكترونية على تخصيص فضاء للتفاعل لزوارها مقرونا بأي منشور للموقع، كان نصا مقروءا أو شريطا مرئيا.
صحيح أن التدوين الفوري للتفاعل لا يكون في الغالب موضوعيا أو مبنيا بناء منهجيا وعلميا، ولذلك أنصح بعدم النشر دائما إلا بعد التنقيح وبعد فترة زمنية كفترة نقاهة يحددها الكاتب نفسه.
وأخيرا، أكرر بأن كل ما نعيشه ونعانيه، وكل ما نفكر فيه ونتوصل إليه، يمكن أن يكون مهما ويمكن أن يكون مادة للتأليف والنشر، فقط بشيء من التكوين والتدريب والاستشارة الدائمة.
——————————–
(*) الاقتراح الأول هو الذي تم نشره في العدد 418


اترك رداً على ابو عطاء الله الدكالي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

One thought on “منهجيات أخرى للكتابة والتأليف

  • ابو عطاء الله الدكالي

    شكر الله لاستاذنا العزيز على ما تفضل به من اقتراحات قيمة التي قطعاانها تدفع وتسهم في التشجيع على الكتابة، وقد اتبعت نفس الطريقة خصوصا الكتابة في ما وصلت اليه يدي من قطعة ورق ، ولما عدت الى جمعها وجدت الكثير من الاشعار و الاراء والخواطر و الامثال ………التي تستحق النشر بل اتعجب من مضامينها الجيدة حتى أشك في كتابة
    إياها ، نعم تحتاج الى وزن وتنقيح لكن تبقى كمشروع قابل للتطوير ……….