… هب أنك نجحت في قرعة الذهاب إلى بيت الله الحرام، ففرحت لذلك فرحا عظيما لم تفرحه من قبل…، جمعت متاعك واشتريت لباس الإحرام وقمت بالتلقيح ضد جميع الأمراض حتى الزكام…، وجمعت حقائبك وما تيسر من الطعام…، وقمت بتوديع الأهل والخلان…، ثم توجهت في اليوم الموعود إلى المطار يحدوك الشوق والهيام…، شوقا للوصول إلى بيت الله الحرام…، حيث تهفو قلوب كل الأنام…، أول ما تطأ قدمك اليمنى سلم الطائرة، يوقفك مأمور المطار بابتسامة صفراء: «آسف سيدي لا يمكنك السفر فقد تم إلغاء نتيجة القرعة»، ويسحب منك التذكرة وجواز السفر….
صراحة لا أدري ما أنت فاعل وقتئذ…، ولكن الأكيد أنك ستنهار باكيا وأنت ترى حلمك وأملك يتبخر أمامك..، ربما تنخرط في هيستيريا من العويل والصياح وكل ما خطر على بالك من ألفاظ السباب…، المهم كلها طرق تفضي بك في نهاية المطاف إلى انهيار عصبي حاد مع كثير من الإحباط والشعور المرير بالحكرة وأنت ترى أغلى أمانيك تنهار أمام ناظريك كما تنهار قصور الرمال التي يشيدها الأطفال على الشطآن…، هذا بالضبط والتمام ما حصل لأزيد من خمسة آلاف مدرس ومدرسة مع الدخول المدرسي لهذا العام، كانوا يمنون النفس بتقاعد مريح بعدما بلغوا السن القانوني ومن العمر عتيا…، بعدما أفنوا زهرة أعمارهم في الجد والعطاء والمكابدة اليومية مع فتية فسدت أخلاق جلهم، حتى أصبح أكبر همهم وأسمى أمانيهم حرق أعصابك وتعكير مزاجك مع طلوع كل يوم جديد، لتعود كل غروب شمس جديد إلى بيتك محطم الخطوات سريع الانفعال متوتر الأعصاب تصب جام غضبك على أقرب الناس إليك، بناتك وبنيك وصاحبتك التي تؤويك…
المهم دخل هؤلاء المدرسون والمدرسات والأمل يحدو الجميع إلى الخلود إلى الراحة المستحقة بعد التوقيع على محضر الالتحاق…، يستقبلونك عند أبواب الإدارة بالترحيب والعودة الميمونة ثم يسلمونك قرار الإحالة على التقاعد فتزداد فرحا ويقينا…، بعدها يوجهونك إلى مكتب السيد الناظر مباشرة ليسلمك بدوره استعمال الزمن الخاص بك متمنيا لك كل التوفيق والسداد.
تزدحم الكلمات في فمك وتصاب بالدوران وغير قليل من الحنق والغيظ ولا نقول إلا ما يرضي الرب وكل سنة دراسية وأنتم بخير.