لص أصابته سهام في مقتل


ذة. رجاء عبيد

طال احتضانها لابنها المدلل في بيت العزلة، ووارته عن أعين لصوص الفضيلة، لتجعله مثلا يحتذى، ولتسمق به إلى علياء القيم، فيتربع على عرشها…

إنه فلذة كبدها، ومشروعها الذي راهنت على الاستثمار فيه، إنه صفقتها الرابحة في عالم المثل.

صنعت له قفصا من ذهب قضبانه مفتولة بإحكام، وقفله لا يفتح إلا إذا أرادت هي فتحه.

بدأ طفلها يكبر حتى ضاق به القفص، وكثرت شكواه، فناشدها حريته المغتصبة، وصرخ بصوت المقاوم العنيف…أريد حريتي…

أدركت الأم إحكامها للحصار، فاستجابت عاطفتها لمطلبه، وفتحت القفص ظنا منها أنه سيخرج ليعود أدراجه مسرعا.

فحضنها هو الأمان…، وحصارها ليس سجنا… إنه وجاء لابنها من طبع لص اسفنجي يمتص كل رذيلة.

غادر الابن القفص فطال غيابه عن أمه، واتسعت فجوة الجفاء بينهما، وسعرت بنار العقوق التي أضرمتها حمم الخلافات والخصومات.

لقد أحرق شرر الرفقة السيئة ريشه فما حلق ولا علا، بل أضحت عيشته أرضية بين وحوش الافتراس…

تاه عنه الطفل البريء الذي تربى على القيم، وعبثت به أيدي المعاشرة النهابة،

وتقاذفته طباع الناس المتناقضة، فتقمص شخصيات كثيرة؛ إلى أن أضحى مشوه الطبع.

أدركت الأم بعد حين أن ابنها دخل قرية الطبع الظالم أهلها. فنسجت في مخيلتها أفكارا متوجسة غزلتها بخيوط الخوف الواهنة، فتكبد أفق أملها بغيوم اليأس، وضل بها المسير، فطرقت عدة أبواب موصدة، إلى أن أدركتها رسائل اللطف الربانية بعدما سمعت جارتها تقول عن أبنائها: لا نملك لهم إلا الدعاء.

استوعبت الأم الرسالة جيدا فأطلقت سهام الدعاء في وقت السحر، فما أخطأت سهامها بل أصابت الضلال في مقتل. لأنها جيوش نصر كل مغلوب.

استجاب الله لدعاء الأم فعاد الابن إلى حضنها، فصرخت لتسمع كل من قرأ قصتها قائلة: لتعلم كل أم أن ثبات أبنائها على الهدى لا يدرك إلا بالدعاء. وأن طباعهم لن تكسى رداء الاستقامة إلا بالتضرع إلى الله تعالى بأن يرزقهم الصحبة الصالحة.

فاللهم إنا نستودعك أبناءنا فاحفظهم بما حفظت به كتابك الكريم.وارزقهم صحبة صالحة تدلهم عليك.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>