الحج عمود من أعمدة الدين، وركيزة من ركائز الإسلام… الحج شعائر و مشاعر، يحياها المسلم بحركاته وسكناته، ويتمثلها المؤمن بكل مشاعره وأحاسيسه منذ أن ينوي أداء هذه الفريضة إلى أن ينحر هديه ويحلق رأسه إلى طواف الإفاضة، بل إلى أن يعود إلى الديار بشوقه الذي يدعوه إلى العودة مرات ومرات، ليستخلص منها الدروس والعبر في موسم تتجمل فيه الكعبة المشرفة ومعها مكة المكرمة بضيوف الرحمن.
الحج شعائر تعظم و مشاعر تحترم ، ذَلِكَ وَ مَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج:32)… ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْانْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْاوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (الحج:30)
وقال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَلاجِدَالَ فِي الْحَجِّ وَ مَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَ اتَّقُونِي يَا أُوْلِي الالْبَابِ (1). وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي يقول: «مَن حج لله فلم يَرْفُث ولم يَفْسُق رجع كيوم ولدته أمه» (2).
ومن خلال الوحي كتابا وسنة نلاحظ نهيا صريحا عن الرفث، وقد قيل في المقصود به، أنه الجماع ومقدماته القولية و الفعلية، وقيل: هوعام يعم كل فحش في القول و الفعل، و نهي عن الفسوق و هو المعاصي (3). و نهي عن الجدال.
أخلاق وجب التخلق بها و الحرص عليها:
وعلى الحاج أن يلتزم بحسن الخلق مع إخوانه، وأن ينزه نفسه عن الجدال والشجار والسباب والأذى ….، وهذا أمر يغفل عنه كثير من المسلمين، رغم أنه من صميم الدين، ذلكم أن كل العبادات و المعاملات تستلزم التحلي بمكارم الأخلاق، ويكفينا أن النبي لخص رسالته كلها بقوله: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وبذلك أثنى عليه الله عز وجل فقال: وإنك لعلى خلق عظيم، وقرر عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي أن « أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا»، لأن التحلي بأحسن الأخلاق وتجنب سيئها من أسمى معاني الارتقاء في درجات الصالحين، بلتك ونفي بعض المواطن من أولى الأولويات، خاصة عندما ترتبط بضيافة كريمة، عند رب كريم و في أحب البقاع إلى الله وأعظمها حرمة عنده عز وجل، وبعبادة شريفة أوجبها سبحانه مرة واحدة في العمر، وجعل الثواب الجزيل لمن أدى المناسك والأركان على التمام، وصان حجه عن الآثام، وتجنب إذاية الأنام.
ومن الأخلاق التي يجب على المسلم أن يحرص عليها، الصبر و ضبط النفس والتعاون والبر و الإحسان والمودة والألفة …، إذ لايكتمل حج إنسان بدون هذه الأخلاق، وإلا فماذا يربح من يقطع الفيافي والقفار، والبحار والمحيطات؟، وماذا يجني من ركب الجو عبر الطائرات دون أن تتزكى نفسه بأخلاق الحج المبرور؟. نعم بالصبر تقاس درجة التحمل لوعثاء السفر و طول الطريق وعنائه، فطول المسافة وقسوة الأجواء تحتاج إلى صبر يذلل صعابها، فيحيلها مادامت في سبيل الله إلى رحلة شيقة، فما أجملها من صعاب، وما أروعه من صبر يوفى صاحبه أجره بغير حساب، إنمايوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وبالصبر على الأذى وضبط النفس وتجاوز أخطاء الرفقة… ندعم دعاة الخير وسفراء الإسلام ونعلن للعالم أن ذلك في سبيل الله، والحج من أكثر العبادات التي تحتاج إلى صبر؛لما يتميز به هذا الموسم العامر من الاكتضاض واختلاف طبائع بني آدم وعاداتهم، قال تعالى: وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ آل عمران: 146
< والتواضع من أخلاق الحج، حينم ايخلع الحاج ملابسه التي اعتادها ويتحلل من المخيط والمحيط ويلبس الإزار والرداء؛فإنه يبرهن عن تواضعه وخضوعه لربه عز وجل،وفي المقابل يؤكد ذلك بتواضعه وخفض جناحه لإخوانه من عباد الله، وذلك بعدم الترفع و التكبر على فقرائهم وضعفائهم. قال: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد و لايبغي أحد على أحد» رواه مسلم.
< وبالتعاون يجود الحاج بوقته ومجهوده وزاده ومؤونته، ليؤثر غيره على نفسه فيكون ذلك في سبيل الله… وهذا من أسمى أخلاق الحج.
< وأما خلق البر والإحسان فيقود الحاج إلى حب رفاقه وأعضاء مجموعته التي معه من الحجاج وتآلفه معهم فيكون ذلك إشهارا وإظهارا لأخلاق غابت ووجب أن تعود، وهذا من أخلاق الحج، فالحج ليس كلمات تقال ومناسك تنجز، وإنما الحج مسؤولية و خلق كريم.
< كف الأذى و بذل الندى. وهذه لازمة في حق الحاج تجاه إخوانه من زوار بيت الله الحرام، وذلك فيما يتعلق بأموالهم، وأنفسهم، وأعراضهم، ومن الأذى المنهي عنه في هذا الموطن المهيب: التضييق على الحجاج و مزاحمتهم ومدافعتهم وإذايتهم في طرقهم.
وأمابذل الندى فهو الكرم و الجود، قال النبي لإحدى النساء: إن لك من الأجرعلى قدر نصبك و نفقتك (صححه الألباني)، وقال : «بر الحج: إطعام الطعام، وطيب الكلام». (حسنهالألباني).
وأما طلاقة الوجه فهو ملاقاة الناس بالبشر و الحفاوة، فلقد روى مسلم في صحيحه أن الرسول قال: “لاتحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”.
ومن أخلاق الحج التي لاغنى لحاج عنها: الرفق واللين والحلم وقبول العذر، والعفو عن المسيء، وإدخال السرور على الحجاج بقضاء حوائجهم، وغير ذلك من أوجه البر وصنائع المعروف.
وإضافة إلى ماتقدم فإن الحاج مطالب بالوقوف عند مجموعة من الحدود منها: حفظ بصره، سواءأ كان رجلاً أوامرأة، فلقد أخرج الشيخان عن عبد الله بن عباس قال: كان الفضل رديف النبي،فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي يصرف وجه الفضل إلى الشِّق الآخر، فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لايثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال (نعم) وذلك في حجة الوداع (4). وفي حديث علي بن أبي طالب قال له العباس: يارسول الله لِمَ لويت عُنُق ابن عمك؟ قال: (رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما) (5).
وعن ابن عباس أن النبي قال للفضل حين غطى وجهه يوم عرفة: (هذا يوم مَن ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له) (6).
هذه بعض أخلاق الحج، وتلك بعض فضائلها، من تحقق منها وتخلق بها أخذ بحظ وافر من ميراث من كان خلقه القرآن، وياسعد من كان متأسيا بخير مبعوث إلى البشرية الذي كان خلقه القرآن صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وعلى كل من اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
—————–
(1) البقرة 197.
(2) أخرجه البخاري في باب فضل الحج المبرور ح1521-3/382 مع الفتح. ومسلم في باب فضل الحج و العمرة 9/119
(3) شرح النووي 9/119
(4) أخرجه ا لبخاري في باب حج المرأة عن الرجل ح 184-4/6 م فتح الباري ومسلم في باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما 9/98 شرحالنووي.
(5) أخرجه أحمد 1/7،76،والترمذي وقال حديث علي حديث حسن صحيح.
(6) عزاه ابن حجر في فتح الباري 4/70 إلى أحمد و ابن خزيمة.