صـيـام رمـضـان طـريـق الـمغـفـرة


د. عـمــر آجــة

عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه» رواه الشيخان.

عليك -أيها الصائم- أن تصوم رمضان كما أراد الله لتحصل على الثمرة العظمى التي من أجلها شرع الصيام، وهي تحقيق التقوى، وذلك بأن تصوم رمضان إيماناً واحتساباً طاعة لله ورجاء مغفرة ذنوبك.

مفهوم الإيمان

الإيمان في اللغة: التصديق والاطمئنان. وله في لغة العرب معنيان:

-تارة يتعدى بنفسه فيكون معناه التأمين أي إعطاء الأمان، وآمنته ضد أخفته، وفي الكتاب العزيز: الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (قريش : 4)

-وتارة يتعدى بالباء أو الكلام فيكون معناه التصديق. وفى التنزيل: وَمَا أَنتَ بِمُومِنٍ لنا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (يوسف :17)، أي بمصدق، آمنت بكذا، أي صدقت. والمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر.والأصل في الإيمان الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها، فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق.

أما في الاصطلاح الشرعي: فقد عرفه النبي  في حديث جبريل :الإيمان بالله، والإيمان بملائكته، والإيمان بكتبه، والإيمان برسله، والإيمان باليوم الآخر ، والإيمان بالقدر خيره وشره .

فهذه الأمور الستة هي التي عليها مدار النفس وتفكيرها، في حاضرها ومستقبل أمرها، في شؤون الحياة الدنيا، وما يصلح الأموال فيها، وفي المستقبل المنتظر حدوثه في هذه الحياة الدنيا، أو ما يحصل بعد الموت وعند البعث والنشور.

وقيل هو: الإذعان والخضوع والانقياد والاستسلام.

والمراد بالإيمان في الحديث: الاعتقاد بفرضية صومه. وبالاحتساب: طلب الثواب من الله تعالى. قال الخطابي: احتسابا أي: عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه. اهـ. وقال المناوي في فيض القدير: من صام رمضان إيماناً: تصديقاً بثواب الله أو أنه حق، واحتساباً لأمر الله به، طالباً الأجر أو إرادة وجه الله تعالى، لا لنحو رياء، فقد يفعل المكلف الشيء معتقداً أنه صادق لكنه لا يفعله مخلصاً بل لنحو خوف أو رياء. وقال الإمام النووي: معنى إيماناً: تصديقاً بأنه حق مقتصد فضيلته، ومعنى احتساباً، أنه يريد الله تعالى لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص. اهـ.

مفهوم الاحتساب

والاحتساب لغة: هو العد والإحصاء، من الفعل احتسب يحتسب إذا عد، ويأتي أيضا بلفظ الحسبة إذا جاء من الفعل حسب يحسب. والحساب – كما هو معروف – العد والإحصاء. قال الجوهري: «حاسبته من المحاسبة، واحتسب عليه كذا إذا أنكرته عليه. قال ابن دريد: واحتسبت بكذا أجرا عند الله. والاسم الحسبة، وهي الأجر. ولذا يقال لمن مات له ولد أنه احتسب أجره عند الله تعالى.

والإنسان الذي يقوم بما يتعلق بهذا الأمر يسمى (محتسبا) لأن الأصل فيه أن يحتسب أجره عند الله تعالى. ويوضحه قول الرسول الكريم :«من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». متفق عليه.

أما تعريف الاحتساب في الاصطلاح فهو:هو طلب الأجر من الله تعالى بالصبر على البلاء مُطمئنةً نفس المحتسب غير كارهةٍ لما نزل بها من البلاء.

وقال ابن الأثير: الاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات البِدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجو منها.

مفهوم الصوم

وفي مفهوم الصوم: قال الراغب‏، الصوم في الأصل الإمساك عن الفعل، ولذلك قيل للفرس الممسك عن السير صائم، وفي الشرع إمساك المكلف بالنية عن تناول المطعم والمشرب والاستمناء والاستقاء من الفجر إلى المغرب‏.‏

وقوله : «من صام» وفي رواية:«من قام رمضان» صيغة من صيغ العموم، فيعم كل من قام رمضان رجلاً أو امرأة.

قوله: «غفر له ما تقدم من ذنبه» هذا هو جواب الشرط، فمن قام رمضان على الوجه المطلوب شرعاً مؤمناً بالله وبما فرضه الله عليه ومنه عبادة القيام، ومحتسباً للثواب والأجر من الله عز وجل، فإن المرجو من الله أن يغفر له ما تقدم من ذنوبه.

أهمية الصوم وفضله

وهذا الحديث دليل على فضل صوم رمضان وعظيم أثره، حيث كان من أسباب مغفرة الذنوب وتكفير السيئات .

وفي الحديث الآخر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» (رواه مسلم 233)

وقد ورد أن الصيام وكذا الصلاة والصدقة كفارة لفتنة الرجل في أهله وماله وجاره فعن حذيفة بن اليمان  قال: قال رسول الله : «فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة» (رواه البخاري ومسلم).

طريق الـمغفرة وشروطها

وقد دلت النصوص على أن هذه المغفرة الموعود بها مشروطة بأمور ثلاثة :

الأول: أن يصوم رمضان إيماناً، أي إيماناً بالله ورسوله وتصديقاً بفرضية الصيام وما أعد الله تعالى للصائمين من جزيل الأجر .

الثاني: أن يصومه احتساباً، أي طلباً للأجر والثواب ، بأن يصومه إخلاصاً لوجه الله تعالى، لا رياءً ولا تقليداً ولا تجلداً لئلا يخالف الناس، أو غير ذلك من المقاصد. بل يصومه طيبةً به نفسه غير كاره لصيامه ولا مستثقل لأيامه، بل يغتنم طول أيامه لعظم الثواب.

الثالث: أن يجتنب الكبائر، وهي جمع كبيرة، وهي كل ذنب رتب عليه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة أو رتب عليه غضب ونحوه، وذلك كالإشراك بالله وأكل الربا وأكل مال اليتيم والزنا والسحر والقتل وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وشهادة الزور واليمين الغموس، والغش في البيع وسائر المعاملات، وغير ذلك، قال تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريما. (النساء 31)

فإذا صام العبد رمضان كما ينبغي غفر الله له بصيامه الصغائر والخطيئات التي اقترفها إذا اجتنب كبائر الذنوب وتاب مما وقع فيه منها .

وقد أفاد حديث أبي هريرة  : «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» أن كل نص جاء فيه تكفير بعض الأعمال الصالحة للذنوب كالوضوء وصيام رمضان وصيام عرفة وعاشوراء وغيرها أن المراد به الصغائر، لأن هذه العبادات الثلاث العظيمة وهي الصلوات الخمس والجمعة ورمضان إذا كانت لا تُكفر بها الكبائر فكيف بما دونها من الأعمال الصالحة ؟

ولهذا يرى جمهور العلماء أن الكبائر لا تكفرها الأعمال الصالحة، بل لا بد لها من توبة أو إقامة الحد فيما يتعلق به حد والله تعالىأعلم.

فعلى المسلم أن يبادر بالتوبة في هذا الشهر الفضيل من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها عسى الله أن يتوب عليه ويغفر ذنبه. ومن لوث حياته بالمعاصي والآثام في سمعه وبصره ولسانه وجوارحه فقد أضاع على نفسه فرصة التطهير ومغفرة الذنوب، فلم يستحق المغفرة الموعودة بل ربما أصابه ما دعا به جبريل ، وأمَّن عليه النبي ، كما يروي لنا الصحابي الجليل أبو هريرة  أن النبي  صعد المنبر فقال : «آمين آمين آمين»، قيل : يا رسول الله : إنك صعدت المنبر فقلت «آمين آمين آمين»، فقال : «إن جبريل  أتاني فقال : «من أدرك شهر رمضان فلم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت : آمين» (رواه ابن خزيمة وأحمد، وأصله عند مسلم).

فعلى المسلم الصائم أن يحرص على أسباب المغفرة والرضوان بالحفاظ على الصيام والقيام وأداء الواجبات، وأن يبتعد عن أسباب الطرد والحرمان من المعاصي والآثام في رمضان وبعد رمضان ليكون من الفائزين.

وإن من علامة ذلك أن يستغرق الإنسان أوقات رمضان بالطاعة تأسياً بنبيه ، قال ابن القيم رحمه الله: «وكان من هديه  في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات …، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن الكريم، والصلاة والذكر والاعتكاف» .

وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة خوفا أن يضيع الوقت بلا تقرب وطاعة، وطمعا في القرب من المولى عز وجل.

هـدايـات رمـضـانـيـة

- أكثر يا عبد الله في هذا الشهر من أنواع العبادات والطاعات، فقد كان جبريل  يدارس النبي  القرآن الكريم في رمضان، وكان عليه الصلاة والسلام -إذا لقيه جبريل- أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر والاعتكاف.

- حاول أن تتفرغ في هذا الشهر العظيم لعمل الخير، اقتداء وأسوة بالصحابة رضوان الله عليهم.

- وفر وقتا مهما للجلوس في بيوت الله تعالى في هذا الشهر الفضيل، لتأخذ فرصتك في قراءة القرآن الكريم والذكر والدعاء…

- احفظ صومك من الغيبة والنميمة، ومن الجلوس في مجالس الشيطان.

- استعن بالصدقة على تطهير صومك، فالصدقة وعاء ذلك.

- قف مع نفسك كلما أحسست بوساوس الذنوب، وعاتبها عتابا شديدا.

- حقق درجة التقوى في هذا الشهر الكريم، وليكن ذلك همك الوحيد ولا تيأس لأنك قادر عليه.

والله الموفق للصواب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>