رمضـان ومـراجعة واقـع الأمـة فـي ضـوء الـقـرآن الـكـريـم


د. محمد بريش

-  دكتور في الهندسة المدنية، وتقلَّد عدة مناصب في قطاع الأشغال العامة بالمغرب والشؤون الخارجية

-  خبير بإدارة المشاريع ودراسة أبعادها الحضارية وجوانبها الاقتصادية والاجتماعية والتقنية.

-  خبير في الدراسات المستقبلية والإستراتيجية والتنمية لدى منظمات إقليمية ودولية.

-  مختص في تشخيص القضايا ودراسات بدائل الحلول الأنسب.

-  له عضويات كثيرة في مراكز وهيئات وجهات استشارية وعلمية وعملية.

-  خبير لدى منظمة (الإسيسكو) ومنسق فريق الخبراء المكلف بصياغة استراتيجية الثقافة الإسلامية.

-  مستشار أكاديمي بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن.

-  عضو لجنة الخبراء المكلفة من جانب المجموعة الأوروبية (برنامج فاست لدراسة مستقبل العالم العربي).

بسم الله الرحمن الرحيم،

والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه الميامين، وبعد،

من فوائد رمضان كونه موسم مراجعة بامتياز، مراجعة لتشخيص واقع الأمة في ضوء القرآن، ومراجعة لتصويب حركة الأمة على منهج القرآن، ومراجعة للنهوض بالأمة إلى مستوى شرعة القرآن.

فإذا لم تحسن الأمة الاستفادة من موسم ثري وقدسي مثل موسم رمضان، الذي شرفه الله بأن أنزل فيه القرآن، لتكون في مستوى ما هو مطلوب منها على هدي القرآن وسنة نبي القرآن، فلن تستطيع أن تستفيد من غيره من المواسم والأيام قطعا.

والمراجعة أمر استراتيجي، له قواعد وضوابط، يتجلى في خطط ومشاريع وبرامج. والاستراتيجية فنون ثلاثة: فن تعبئة وفن مراجعة وفن مواجهة، فلننظر إلى رمضان ومحطاته وفرصه من هذه الزوايا الاستراتيجية:

رمضان موسم تعبئة بامتياز :

تتمحور مواضيع آيات الصيام في سورة البقرة حول أركان ثلاثة: الصيام والدعاء والاعتكاف. وهي  ركائز المراجعة الشمولية للصلة مع الله منزّل القرآن، والتزام شرعة القرآن، واتباع هدي رسول أمة القرآن محمد [.

وهي كذلك عبادات رئيسية تجعل المؤمن يتفرغ بشكل أكبر لتقوية صلته بالله عز وجل، وتدفعه للاستزادة من النهل من هذا المعين الصافي والمورد النقي الذي هو القرآن الكريم، وتشعره بالدفء والأمن الذي يغمره عبر التزام النهج النبوي الممثل للتطبيق الأمثل لهذا القرآن.

رمضان أفضل موسم للمراجعة :

والمراجعة شيء مطلوب من المسلم على الدوام؛ يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (الحشر:18). وكما ورد في الأثر عن عمر بن الخطاب ] أنه قال في خطبة له : «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (الحاقة: 17)، (ذكره ابن المبارك في الزهد، وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس).‏

ففي رمضان يشجّع المسلم بشكل خاص على هذه المراجعة، لأن فيه تقيّد الشياطين، والأحاديث حول ذلك كثيرة، كما تضاعف فيه الحسنات عن غيره من الأوقات، ويكثف فيه دعاء الملائكة لأهل الإيمان، بل تتنزل الملائكة والروح بإذن ربهم لتحية المؤمنين في ليلة مباركة من لياليه هي خير من ألف شهر، من أعدّ لها وفاز بأجرها كان ممن أحسنوا التعبئة والمراجعة، وأصبح أقوى وأصلب لكافة أنواع المواجهة. هذه كلها أمور تشجيعية تدفع لحسن المراجعة في هذا الموسم الخاص الذي أنزل فيه القرآن.

رمضان موسم لإتقان المواجهة :

رمضان موسم متميز للتمرن على إتقان المواجهة، ليس فقط بما لدينا من الشواهد عن الانتصارات الكبرى التي تحققت في رمضان، بل لأن الآيات البينات التي جاءت بعد آيات أحكام الصيام دلت دلالة واضحة على أركان فَنِّ حسن المواجهة لا يحسن استيعابها إلا من أحسن الصيام، ووعى أهمية رمضان، وأدرك مقاصد وغايات ما تنزل فيه من الهدى والفرقان.

وهذه جملة من الدلالات القرآنية على العلاقة العضوية بين حسن التعبئة في رمضان، صياما ودعاء واعتكافا، وبيْن إتقان المواجهة للدفاع عن حصاد رمضان وما يسمح به من التمكين والنصر والظفر، وبيان شروطها وضوابطها كما حددتها الآيات التي توّجت بذكر الصيام، تخاطب المؤمنين الذين دعوا للصيام، وأكملوا وأحسنوا الصيام، بأن يتأهبوا لجني حصاد موسم الصيام، والحرص على عدم ضياع زرعهم وجهدهم في رمضان:

الصوم الأبدي عن أكل أموال الناس بالباطل :

يأتي على رأس هذه الدلالات ذلك الركن الصلب المتمثل في الالتزام بالصوم الأبدي عن أكل أموال الناس بالباطل. فمن تمَرَّن على كسر الشهوات عبر الصيام، أتقن هذا النوع الفريد من أوجه الصيام، الواقي من الظلم والبغي وتنافر القلوب.

يقول الله عز وجل: وَلا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَاكُلُوا فَرِيقاً مِن اَمْوَالِ النَّاسِ بِالاثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون (البقرة:187)؛ فلم تأت هذه الآية عبثا في آخر آيات الصيام، لأن المنصوص عليه فيها هو العقد الذي إذا ما انفك اعتبر مدخلا من مداخل النسف للأمة، تلك الأمة المدعوة للتمرن بالصوم عن كل ما يمكن أن يكون مدخلا من مداخل الضعف أو الفساد.

والملاحظ أنه من يوم أصبحت الأمة تأكل أموالها بالباطل، هزلت وانكسرت شوكتها واستعلى عليها الآخر، ولم تعد تنتفع بموسم رمضان لا مراجعة ولا تعبئة، ومن ثم فهي أعجز من أن تقوم بمواجهة.

فالمواجهة تبدأ من كون جموع المؤمنين الذين استفادوا من رمضان يستحيل أن يمدوا أيديهم ليأكلوا الأموال بينهم بالباطل، ولا أن يدلوا بها إلى الحكام على شكل رشوة أو قربان بغية مصلحة أو غير ذلك.

فهناك صوم أبدي مستمر تتعلمه وتتلقاه الأمة أفرادا ومؤسسات من خلال تلك المراجعة القويمة التي تمت وتتم عبر فن التعبئة من عبادة وصلاة وقيام ودعاء واعتكاف طيلة شهر رمضان، تجعل جسد الأمة متماسكا متلاحما متكافلا متراحما قويا منيعا.

الوعي بالمواقيت وزمن المواسم لمزيد من التعبئة والمراجعة :

فحتى لا تصاب الأمة بالضعف والوهن، أو تنحاز إلى التراخي والكسل، تدعوها الآية التالية للالتزام بركن شديد متجسد في الصوم الأبدي عن الغفلة الزمنية، أو الانشغال بأدوات الزمن عن الاستفادة من المتاح من الزمن.

يقول الله عز وجل: يَسْأَلونَكَ عَنِ الاهِلَّةِ، قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ (البقرة: 188). فمن المخاطبين بالقرآن زمن الرسالة من يسأل عن الأهلة، لكن الآيات الملقنة لدروس إتقان المواجهة  تنبه على ضرورة الوعي بأهمية الوقت دون الغوص في شكل أدوات قياسه ومعرفة تفاصيل محطاته، مركزة على أهمية ما يشمله من المواسم الأساسية لحركة الأمة زادا وعطاء. ففي الآية إشارات لطيفة للعناية بالمستقبل عبر حسن الاستفادة من محطات الخير فيه، ومواسم التعبئة والمراجعة التي من مهام الأهلة الدلالة عليها والتحديد لأزمنتها.

ولوج البيوت من أبوابها :

ركن آخر حصين لإتقان المواجهة يشير له تمام الآية السالفة، ألا وهو الحرص على إتيان البيوت من أبوابها، وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَاتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا، وَلَكِن الْبِر مَنِ اتَّقَى، وَاتُوا الْبُيُوتَ مِنَ اَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون (البقرة : متم الآية 188).

وكل من له سابق مشاركة جادة في إنجاز المشاريع الحضارية والثقافية والفكرية يعرف معنى إتيان البيوت من أبوابها، فكل عمل ذي شأن يراد إنجازه يحتاج من صاحبه أن يأتي أبوابه من طريق أهل اختصاصه، أن يأتيها من خلال الرجوع لأولي النُّهى فيها، أن يأتيها من خلال ما يستلزم من شروطها، أن يكون شرط الفرقان وشرط الميزان متوفرين في كل عملية ومرحلة من مراحل الإنجاز.

والدخول من الأبواب يعني تجنب حيل الالتواء ومكر الاختباء، كما يمنع الدخول خفية وراء الجدران أو خلسة من النوافذ استغفالا للناس واحتيالا عليهم، فتدبير شأن الناس في كل الميادين، وعلاقتهم ببعضهم ينبغي أن يعتريها الوضوح  وأن لا يكتنفها الغموض، إحقاقا للحقوق وبسطا لإقامة الوزن بالقسط والحكم بالعدل، وتجنبا للقفز فوق القوانين أو العمد للغل والمحسوبية.

التأهب المستمر لمواجهة العدو مع اجتناب العدوان :

من أركان فن إتقان المواجهة التي جاءت مرتبطة بآيات الصيام ذلك المتعلق بالعُدة لمواجهة من يريد أن يقف في وجه حركة الأمة، فالأمة مدعوة لكي تحافظ وتذود عن كل ما كسبته وعبأت نفسها من أجله، وراجعت ذاتها لتحقيقه أو الحفاظ عليه، وتستنفر قواها من أن يحال دونها ودون جني ثمار ما عكفت أياما على زرعه وسقيه.

فعليها أن تستعد وتتقن فن قتال من يعتدي عليها ويمس بحرماتها، ملتزمة بحدود المواجهة بأن يراد بها سبيل الله دون تخاذل ولا اعتداء. فالقصد منها كفّ بأس الذين كفروا، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على من استمر في ظلمه وإساءته.

يقول الله عز وجل في نفس السياق: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين (البقرة:189)، فالأمة الصائمة في رمضان، والمستوعبة لدروس القرآن، مطالبة بأن تذود عن هذا الذي اجتهدت في التعبئة له، وقامت بمراجعة نفسها وحركة سيرها لتطويره والحفاظ عليه، لأن هناك من هو متأهب لمنعها من الاستفادة من موسمها الرمضاني الذي لن يزيدها إلا وحدة وقوة ومنعة.

فهي مُنْبَأة بوحيها بعد أن وعت تداول الأيام واختلاف الليل والنهار عبر الإدراك العلمي والإيماني لدور المواقيت والمواسم، أن تعلم أن في وجه طريق حركاتها عقبات يلزم أن تقتحم، وفي سير حياتها سُنَ سُنن دَفْع وتدافع الناس بعضهم ببعض، جعلها الله قائمة دائمة تمنع الفساد، وتفتح آفاق مراجعة كبرى لصلاح العباد.

يقول جل وعلا في نفس السورة لكن في سياق آخر: وَلَوْلا دفاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الارْضُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِيـــنَ (البقرة:249). ذو فضل بأن مكـّـنهم من مواسم المعاودة والمراجعة، ومكنهم من كتاب فيه الهدى وبينات من الهدى والفرقان، تؤهلهم للقيام بكل ما يسمح بالإصلاح وإزالة المعوقات، واقتحام العقبات، بحيث يكون تدافع الناس السنني في جهتهم، وتداول الأيام لصالحهم.

كما أن على الأمة أن تعي أن خوضها للقتال خير من بحثها عن سبل اجتنابه اتقاء للفتنة، فالفتنة أكبر من القتل، وهو ما جاءت الآيات التالية لتدل عليه وتحذر من سوء وشرّ عواقبه: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ، وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ، وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ، فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين، فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة: 190 – 192)

وإتقان المواجهة يحتاج لكماله أن تتميز الأمة بنظام أولويات في فنون استراتيجيتها، فلا تعكف على جانب التعبئة بحجة حضور موسم ثري للرفع من تعبئة ذاتها غافلة عن لوازم المواجهة أو إرجاء عملياتها تعظيما لمواسم التعبئة والمراجعة المباركة مثل الأشهر الحرم، ولا سبيل لذلك إلا بحسن القصاص والالتزام بالتقوى.

فقد يقتنص العدو الفرص لمباغتة الأمة في مواسمها الدينية التي تتفرغ فيها لمزيد من الطاعة والتقوى، إلا أن حسن التعامل الاستراتيجي يقتضي الرد عليه سريعا ودون تردد، لكن دون تجاوز أو اعتداء، حتى يعطي الرد أكله، لأن المراد منه الإشارة إلى عدم الغفلة عما يحاك من المكر والكيد، ورسالة للعدو بقوة الذات واستعدادها للنزال الأكبر، وهذا ما يفصل خبراء وأساتذة الاستراتيجية الحربية في علومه ومناهجه ضمن ما يسمى «فن التكتيك».

يقول البارئ سبحانه وتعالى مبينا ذلك : الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (البقرة: من الآية 193)، ففي الآية إشارة لطيفة إلى ضرورة الإسراع بالرد، وفي حدود ما قام به العدو، للحفاظ على جانب الردع في التصور الاستراتيجي، وهو أهم من خوض الحرب، ذلك أنه يسمح بالنصر واستمراره دون كلفة كبيرة أو جهود ضخمة، ولنا في غزوات الرسول  خير الدروس لاستيعاب ذلك الفن.

استصحاب التقوى في كل فعل وحركة :

بقية الآية السابقة تدعو جمهور المسلمين الذين اجتازوا رمضان بإتقان حيث تمرنوا على التقوى أن يستصحبوها في كل فعل وحركة، ولن يتم لهم ذلك إلا بعلم، علم يقصد إلى تقوية اليقين بأن الله مع المتقين، وأن الانضمام لحزب الله يشترط توفر التقوى والبقاء على التقوى، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (البقرة: من الآية 193)

الرعاية الدائمة لمشاريع الأمة بالإنفاق :

من أركان إتقان المواجهة الإنفاق والبذل والعطاء في سبيل الله. يقول سبحانه بعد الدعوة للدفاع عن المكتسب ورد العدوان: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُم إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة:194). بمعنى أن هذه التعبئة وهذه المراجعة ودورهما في المواجهة تقتضيان إنفاقا مستمرا على كافة المشاريع التي تمكن من المحافظة في مستوى ما أوصت به المراجعة.

بعد بيان هذه الأركان التي تحتاج لإتقانها والقيام بها إلى اجتياز تمرين صيام رمضان بفلاح، يفصل الكتاب الكريم في فضائل وأركان موسم آخر سبق أن لمح له حين الكلام عن الأهلة، وأن من أهداف تلك الأهلة ومهامها الدلالة على وقت هذا الموسم العظيم ومواقيته.

موسم له مقاصده واستراتيجياته، لا يحسن الاستفادة منها إلا من أحسن فنون الاستراتيجية الثلاثة التي ذكرنا لموسم رمضان بدقة وإتقان داخل دائرة المستطاع، ألا وهو موسم الحج، وملحقة به مواسم العمرة، والذي يتعامل مع المؤمن داخل نفس الدائرة وبذات الحرص الدائم على التزود بالتقوى.

فالأول موسم عام محدود بمواقيت مضبوطة تشمل الجميع، والثانية مواسم متحركة عبر الزمن مقيدة بمواقيت خاصة بالفرد يحددها متى تهيأت له الظروف، لنجد تلاصقا وترابطا بين موسم رمضان الذي هو موسم المراجعة والمدارسة في ضوء القرآن الكريم، لنكون على مستوى ما يريده هذا الكتاب العزيز ويقصده، وموسم الحج أو العمرة الذي يفصل في بعض الجوانب التي ينبغي أن تكون عليها أمة القرآن عبر السير في الأرض وقصد المسجد الحرام لذكر الله وتحصيل المنافع والرقي إلى مستوى ما يفرضه على الأمة القرآن.

كيف ننزل تلك الفنون الاستراتيجية على أرض الواقع؟

وقد يقول القائل إن كلامكم عن هذه الأركان هو نوع من الكلام العام، وإن الاستراتيجية على كونها فنونا هي في نفس الوقت برامج عمل، فكيف ننزل تلك الفنون على أرض الواقع؟

نختصر القول في ذلك عبر الحديث عن بعض القواعد الهامة التي نراها لازمة وضرورية لبيان محددات تلك الاستراتيجية الرمضانية وكيفية إنزالها سلوكا ومنهجا على أرض الواقع نعرضها بتفصيل قاعدة قاعدة بدءا من العدد القادم مع بداية الموسم المقبل، بإذن الله.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>