الخطبة الأولى
أيها المؤمنون :
إننا نشهد في هذه الأيام استعداد الطلاب بكل فئاتهم لاجتياز الامتحانات لنهاية السنة الدراسية نسأل الله تعالى للجميع النجاح بامتياز، والتوفيق لما فيه خير البلاد والعباد آمين. وأود أن أنبه نفسي وإخواني الآباء والأمهات وأبناءهم الطلبة والطالبات إلى مجموعة وصايا وعظات تهم الجميع ومنها :
أولا : أن يحرص الآباء والأمهات على نجاح أبنائهم والحصول على ثمرة جهودهم خلال ما تبقى من العام, وأن يحثوا أبناءهم على المذاكرة والجد والاجتهاد, ويتابعوهم ويحرصوا عليهم, وألا يقصروا في حقهم كما يفعل الكثير من الناس الذين لا يعرفون عن أوضاع أبنائهم الدراسية أي شيء, ويتركون أبناءهم يتسكعون في الشوارع وأمام المتاجر, وفي جنبات المدارس دون جدوى. ولم يمتثلوا قول الرسول الداعي إلى تحمل مسؤولية أبنائهم ورعايتهم عندما قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته».
ثانيا : أن نربط بين الاستعداد للامتحان الدراسي وبين الاستعداد للامتحان الأخروي في يوم الحساب، وذلك لأن العلم وسيلة لعدة مقاصد. منها : كيفية عبادة الله تعالى ومعرفة أسرار الحياة والتدبر في حقائق الأشياء فيها، ثم معرفة تدبير أمور الحياة كلها. هذا وإن الامتحان الأخروي لهو الامتحان العظيم الذي يجب أن تشحذ له الهمم من الآباء والأبناء, إنه يومٌ قال الله تعالى فيه : فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ على الكافرين غير يسير (المدثر: 8-9). إن هذا هو الامتحان العظيم الذي يجب علينا جميعاً ألا ننساه, وأن نذكِّرَه أبناءنا دائماً, وأن نربط امتحاناتهم الدراسية بهذا الامتحان, وأن امتحانات الدنيا هينة سهلة مقارنة بذلك الامتحان.
فإذا ذكَّر الأب أبناءه بهذا, أصبحت قلوبهم متعلقة بالله تعالى, في السراء والضراء, والرخاء والشدة, وبهذا تتم التربية الصالحة, وينشأ الجيل الصالح.
ومن الوصايا والعظات المحافظة على الصلوات في أوقاتها, وخاصة صلاة الفجر أثناء الامتحانات, وإيقاظهم قبل الصلاة للمراجعة, وهذا أمر طيب, ولكن لا بد أن يستمر عليه الأب مع أبنائه في أيام الامتحانات وغيرها, وبعض الشباب هداهم الله يلزمون المساجد أثناء الامتحانات, فإذا انقضت امتحاناتهم هجروها, فإنا لله وإنا إليه راجعون. وما يلاحظ على كثير من الطلاب السهر الطويل وعدم النوم ليلا مخالفة للسنة الكونية الربانية، الذي يؤدي بفشل الطالب أحياناً, لأنه ربما سهر إلى الصباح وعندما يستلم ورقة الأسئلة يصاب بصداع أو غيره, والله عز وجل منح الإنسان العقل والفكر, وجعل له طاقات محدودة, وجعل النهار معاشاً والليل سباتاً, أي راحة, وجعل البركة في النوم المبكر والاستيقاظ المبكر : «بورك لأمتي في بكورها» فإذا أخل الإنسان بشيء من هذا فلا يمكنه أن يجني النتائج المرجوة.
أيها المسلمون : من الأمور التي تلاحظ أيضا، أن الآباء يعلقون أبناءهم بأحلام وآمال, هم لم يدركوها في صغرهم, وربما أدت بالأبناء إلى الفشل, أو فساد النية, كأن يحثه على المذاكرة, ويقول: غداً تنجح وتتوظف وتعمل وتجلب لنا الرواتب الكثيرة, وتترقى في أعلى المناصب, فيعدونهم بأمور قد تتحقق وقد لا تتحقق. وهو أمر غالبا ما تكون نتائجه عكسية, والمطلوب هو أن نشجع الأبناء على طلب العلم ونذكرهم بأن طلبه عبادة وبأن العالم أفضل بكثير من الجاهل. كما نذكرهم بما قاله الله تعالى في كتابه في هذا الشأن كقوله تعالى : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (المجادلة: 11). وبقوله تعالى : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (الزمر:9). وبقوله تعالى: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم (آل عمران:18). وبقوله تعالى : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (فاطر:28). كما نذكرهم بأقوال الحبيب المصطفى محمد : «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة» رواه مسلم.
وبقوله : «العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً , إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر» (أخرجه ابن حبان في صحيحه, وابن ماجه, وأبو داوود, والدارمي .)
وبقوله : «من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عَرْف الجنة» أي ريحها. (أخرجه أبو داود وغيره).
بهذه الأمور وأمثالها ينشأ الطلاب على التربية الصالحة ومراعاة الأهداف والمقاصد النبيلة، صادقين مخلصين في الأقوال والأعمال لله عز وجل, وإن عودوا على جعل العلم وسيلة لحب الدنيا وزخارفها تلوثت نياتهم وضاعت أهدافهم، وانحرفت سلوكاتهم وانحلت أخلاقهم.
فيا عباد الله: ما أحوجنا في هذا الزمان إلى شباب صالح تقي عفيف طاهر مُتَربٍّ على منهج القرآن طائع لله ومقتدٍ بسنة رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
هذا و لا يخفى عليكم ما يحاك لأمة الإسلام من المكائد العظام , وخاصة لشبابها, فعليكم بالتربية الصالحة والتوجيه السليم, وتعريفهم بما يُكاد للأمة من مخططات تدميرية, فالموعظة الحسنة والكلمة المؤثرة والحجة البليغة والنصيحة الرشيدة والتذكرة المخلصة ستقبلها النفوس الصافية والقلوب المتفتحة, وخاصة قلوب الشباب, والقرآن الكريم مليءٌ بالنداءات للمؤمنين والمسلمين والناس, ونداءات كذلك للأبناء من آبائهم, قال تعالى : وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيِّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان: 13). وقد كان مربي الأمة وصانع الأجيال من السلف يخاطب الشباب أحياناً بقوله : يا معشر الشباب, ويذكرهم بما هم مقبلون عليه يوم الوقوف بين يدي رب العالمين. كما يروي الإمام الترمذي وغيره عنه أنه قال: «لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع» فذكر «وعن شبابه فيم أبلاه».
وقال كما ثبت في الصحيحين , عندما ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله «وشاب نشأ في عبادة الله» . وقال أبو بكر لزيد بن ثابت, عندما أراد منه جمع القرآن: «إنك رجل شاب عاقل» كما ثبت ذلك في البخاري وغيره.
وفي صحيح مسلم, عن عبد الله بن مسعود قال : كنا نغزو مع رسول الله ونحن شباب. وكان يخالط الشباب, ويعلمهم, ويربيهم, ويوجههم, وينصحهم, ويوصيهم.
فقد روى البخاري ومسلم عن مالك بن الحويرث قال : أتينا رسول الله ونحن شببة متقاربون. فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله رحيماً رقيقاً, فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا, فسألنا عن من تركنا من أهلنا فأخبرناه, فقال : «ارجعوا إلى أهليكم, فأقيموا فيهم وعلموهم, ومروهم, فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم» صحيح مسلم : كتاب المساجد ومواضع الصلاة : باب من أحق بالإمامة).
الخطبة الثانية
أيها الشباب :
إن الكثير منكم يستقبل هذه الامتحانات بقلوب مليئة بالخوف والقلق, ولكن أيها الشباب! هل تفكرتم في الامتحان الأكبر؟ هل تفكرتم في ، ،يوم النفخة والصعقة؟ يوم الراجفة يوم الصاخة يوم القارعة؟ يوم الطامة؟ هل امتلأت قلوبكم خوفاً من الله عز وجل تعظيماً وإجلالاً؟ خشية ورهبة له في الدنيا والآخرة؟ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرا (…)ً وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (الطلاق:2-4).
أيها الشباب :
إن كثيراً من الطلبة يسلكون طرقاً خاطئة أثناء الامتحانات, وهذه لا تليق بالشباب الذي آمن بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد نبياً ورسولا, منها إظهار الورع والتقوى أثناء الامتحان , وبعدها يهجر المسجد . ومنها استعمال المنبهات التي تخل وتفسد العقل وتحطم قدراته , ومنها محاولة الغش بشتى الطرق, ومنها محاولة كشف الأسئلة وتسريبها من أهل الذمم الضعيفة, ومنها ومنها… فالحذر أيها الشباب من هذه الأمور المنكرة التي أبطلها الإسلام, قال : «من غش فليس منا» وقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ اَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ اَلِيمٌ} (النور:63).
وأنتم أيها الأساتذة الأجلاء المحترمون يا ورثة أنبياء الله ورسله: اتقوا الله في أبناء المسلمين, وساعدوهم قدر المستطاع بحسن التربية والتعليم, وأحسنوا توجيههم، فإنهم مثل أبنائكم تماما وأنتم مؤتمنون عليهم فترة من الزمن المدرسي ليس بالسهل، واعدلوا بينهم مثل ما تعدلون بين أبنائكم، من يستحق النجاح ينجح ومن يستحق الرسوب يرسب. ومن يستحق نقطة ما تعطى له، فلا ميز ولا تفريق بين طالب وطالب أو طالبة, وعليكم بالدقة أثناء التصحيح والجمع, فربما رسب طالب بمجرد خطأ في الجمع, فيكون خصمك يوم القيامة, وكذلك المراجعة لورقة الطالب الراسب مراراً, فربما تبين لك أنه يستحق النجاح, فيا أيها المربون إنكم الأمل والرجاء بعد الله تعالى للطلاب والطالبات، فقفوا إلى جانبهم بالنصائح والتوجيهات ولا تتركوهم ضحايا لكل وسائل الفساد والإفساد في المجتمع. لعل الله يتقبل منكم ويجزيكم الجزاء الأوفى, والدين النصيحة, وهي لله, ولكتابه, ولرسوله, ولأئمة المسلمين, وعامتهم.
د.عبد اللطيف احميد *
———–
* خطيب مسجد سعد بن أبي وقاص