إلى أن نلتقـي – لـمـاذا نجَـح التّـعـليـم فـي بـلادنـا بعد الاسـتـقـلال ؟ (4)


إذا كان المعلم/ الأستاذ والتلميذ معاً دعامتين أساسيتين لنجاح العملية التعليمية في كل مكان وزمان، بما في ذلك فترة ما بعد الاستقلال، كما بينا سابقا، فإن هناك دعامة ثالثة لا تقل عن السابقتين إن لم تكن هي الأهم فيها، إنها الخطة، إنها الهدف، إنها التصور العام للعملية التعليمية كلها، ماذا نريد منها؟ وماذا نريد أن تحقق لنا؟
لقد كانت الخطة الكبرى بعد مرحلة الاستقلال تتجلى في تكوين الأطر الوطنية في القطاعات المختلفة، وفي مقدمة ذلك قطاع التعليم، وقد أُنشئت من أجل ذلك مؤسسات خاصة كمدارس تكوين المعلمين، والمراكز التربوية الجهوية، والمدارس العليا للأساتذة، بل حتى على مستوى التعليم العالي أُنشئت تكوينات خاصة في أواسط الثمانينات من القرن الماضي من أجل تكوين خاص لأساتذة جامعيين، عُرف بنظام «تكوين المكونين» (F.F.)، ولقد أتى ذلك كله أكله نظرا للحاجة التي كانت تعرفها البلاد آنذاك لهذه الأطر. وكل أجيال الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات من القرن الميلادي الماضي تعرف جيدا هذه الحاجة، فلقد كان يُدَرِّس في المغرب عدد كبير من الأساتذة العرب والأجانب؛ (مصريون، سوريون، عراقيون، أردنيون، سودانيون، فرنسيون، رومانيون، إسبانيون، إنجليز،…) وحتى عموم القطاعات الإدارية لم تكن هي الأخرى تخلو من أجانب.
ولذلك لَمَّا كان الهدف واضحا نجح التعليم بشكل كبير، وتمت مغربة الأطر التعليمية والإدارية، بل وتم تعريب عدد من العلوم الإنسانية (التاريخ والجغرافيا والفلسفة) في جميع المراحل التعليمية، ثم عُربت مقررات العلوم الدقيقة إلى نهاية المرحلة الثانوية. بل أكثر من هذا اشتغل منذ بداية التسعينات من القرن الماضي عدد من الأطر التعليمية والإدارية خريجي الجامعة المغربية خارج المغرب، وخاصة في دول الخليج وأوربا، وهذا يدل على أن الوفرة في هذه الأطر قد حصلت في الداخل، وتم الاكتفاء الذاتي فيها. كما أنه بعد أن كان الطلاب المغاربة يهاجرون من أجل الدراسة في الخارج في جميع العلوم بما في ذلك علوم الشريعة وعلوم اللغة العربية وآدابها، أصبحت الجامعة المغربية الآن تستقبل المآت من الطلبة من العديد من الدول.
كل هذا يدل على أنه حينما تكون هناك خطة وهدف، لا بد أن تحقق العملية التعليميةُ نتيجةً، حتى وإن لم تكن كاملة فإنها تكون نسبية على الأقل.
إن إنجاز الخطط غير المدروسة لا يمكن أن تكون ناجعة ولا ناجحة، فإعلان خطة خماسية أو رباعية، واعتماد برامج استعجالية أو علاجية لا تكون مجدية، إن لم تكن هناك خطة عملية تحدد الهدف بالذات. وطبعا ليس الأمر خاصا بالتعليم بل هو عام في كل القطاعات والمجالات.
لقد وضع النبي يوسف عليه السلام منذ آلاف السنين خطة اقتصادية لخمس عشرة سنة، في أحلك الظروف المناخية، ونجحت تلك الخطة لأنها قائمة على عِلم، كما أنها كانت دقيقة غاية الدقة. فهل عجزنا نحن في عصر الرقميات أن نضع خططا تعليمية عملية قابلة للتطبيق، نُحقق من خلالها الأمن لوطننا وأمتنا من جميع الجوانب (العلم ـ الغذاء ـ الشغل ـ السِّلم ـ التقدم ـ الازدهار الخ)؟
أليس من مستطاعنا أن نأخذ دروسا من واقعنا وتاريخنا، وواقع الشعوب المحيطة بنا وتاريخها من أجل بناء منظومة تعليمية تستجيب لمتطلبات التنمية والتقدم؟
تلك ركائز ثلاثة : المعلم / الأستاذ+ التلميذ/ الطالب+ الخطة المدروسة، ولا يمكن بأي حال لعجلة التعليم أن تستوي دون أن تكون هذه المرتكزات الثلاثة قائمة بشكل مسْتَوٍ.

د. عبد الرحيم الرحموني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>