افتتاحية – الإسراء والمعراج : دروس وعبر متجددة


كلما هل هلال رجب الخير إلا عاودت الأمة الإسلامية ذكرى الإسراء والمعراج، تلك الذكرى التي لا ينضب معين دروسها، ولا يجف ماء عِبرها، ومن هذه العبر التجديدية:
أولا: أن حدث الإسراء والمعراج يمثل تجليا من تجلياتِ سُنةِ النصر والتمكين، ووعدِ الله جل جلاله بنصرة أوليائه من عباده المرسلين والمؤمنين:{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الــدَّارِ}(غافر: 52-51). وهي نُصرة لَـم ولن تتحقق إلا بشروطها:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمِْ} (محمد:8). لذلك فقد مثَّل هذا الحدثُ في وقته بداية مرحلة الانفراج والتفريج. كما تمثل ذكراه في الوقت الحاضر عبرةً للأمة التي هي في حاجة ماسة وعاجلة إلى تحقيق نهضتها الحضارية، وذلك باستحضار هذه التجليات.
ثانيا: أن إمامة الرسول [ لغيره من الأنبياء في بيت المقدس فيها رسائل للأمة منها:
< إمامة الأمة المسلمة لغيرها من الأمم وأهل الملل وشهادتها عليهم. ولن تكون الأمة في مستوى هذه الإمامة إلا بقوة اليقين في دينها والعمل به وبتبليغه. فما عملت الأمة اليوم لتحقق إمامتها على الناس؟
< ضرورة تحرير أرض المقدس من كل ما يدنسه عبر التاريخ، ورسالة تحريره موكولة إلى المسلمين من أتباع سيدنا محمد [. وسيتحرر البيت إن شاء الله تعالى، يوم يتحرر المسلمون في وجدانهم وتفكيرهم وسلوكهم، بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له.
ثالثا: وحدة مصدر التلقي، إذ أن العروج بالنبي [ وتشريع الصلاة والإخبار عن كثير من الأحداث وعن جزاءاتها لَيدُلُّ على أن مصدرَ التلقي في الأمة ومصدر التشريع هو وحيُ الله عز وجل وسنةُ رسول الله [، وأن العمل المعتبر شرعاً ما كان خالصاً صواباً، وأنه لا أحد يحق له أن يغير أو أن يبدّل في دين الله تعالى أو أن يستبدل غيره به، وما أكثر مصادر التلقي في الأمة اليوم !!
رابعا: تجديد التديُّن والإيمان وتجديد الصلة بالله جل وعلا: فقد كانت الرحلة تجديدا للصلة بالله وبأهل الخير من الملائكة الأطهار والأنبياء والمرسلين الأخيار، واطلاعاً على حقائق الجنة والنار، والأمة اليوم أُتيت كثيرا من جهة إصابتها في جهاز مناعتها الإيمانية وأركانه، وضعف أثر ذلك الإيمان في السلوك (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر)، ولن تسترجع فاعليتها إلا بغرس هذه القيم وتربية النشء على ذلك تصحيحا لتصورها وترشيدا لتصرفها.
خامسا: سنة التدافع بين أهل التكذيب والإرجاف وأهل التصديق والإنصاف: لَمّا كان الإيمان في حقيقته هو التصديق بما غاب عن الحس تصديقا يتساوى فيه مع اليقين بما هو شاهد أمام الحس، فقد مثَّل حدث الإسراء والمعراج معجزة لاستحالة عبور تلك المسافات الزمانية والمكانية في التقدير البشري، ومثَّل تحديا للقدرات الإنسانية. لذلك وُجد موقفان من هذه المعجزة موقف المكذبين والمرجفين، وموقف أهل الإيمان والتصديق، مما يدل على أن علماء الأمة والمصلحين فيها في كل زمان ومكان، ستلقى دعوتهم من يتصدى لها بالتكذيب والتزييف والإرجاف، والتسفيه والظلم والإجحاف، كما ستلقى من يتلقاها بالإيمان والتصديق والمنافحة والإنصاف؛ أمثال أبي بكر الصديق ]، وأضرابه، لذلك فالأمة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتحصين جبهتها الداخلية وتربية أبنائها على الإيمان الحقّ وقِيم الاعتزاز بالذات والصلة بالله واليقين فيه، والعمل بثقة ويقين في سبيل نشر دين الله. إن الأمة في حاجة إلى الإسراء إلى شرع ربها، والإسراء للذود عن مقدساتها، والإسراء لإمامة الناس، وفي حاجة إلى المعراج بأرواحها فكراً وتعبيرا، وتدبُّراً في ملكوت الله تعالى، تقويةً للإيمان وتهذيبا للجَنان، وتنقيةً لسلوك الجوارح والأبدان، وفي الحاجة إلى وصل ما انفصل من علاقتها بربها وكتابه وسنة رسوله، والتصالح مع الذات ومع قافلة المصلحين الأخيار.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>