العجيب أن القرآن قد تحدث عن مصدر الماء بدقة مذهلة مشيراً إلى مصدر المياه هذه: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْاَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} (المؤمنون: 18). وهذه الآية تؤكد أن الماء الموجود في الأرض مثل المياه الجوفية مصدره ماء المطر، وهذا ما ثبُت علمياً!
وهنالك آية أخرى تشير إلى تخزين الماء تحت سطح الأرض في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} (الحجر: 22). فقد كان الاعتقاد السابق أن ماء الينابيع يتشكل في باطن الأرض، أو أنه موجود منذ الأزل، ولم يكن لدى أحد من الناس فكرة عن الطريقة التي يُختزن بها هذا الماء، ولكن القرآن العظيم أنبأنا بهذه الحقيقة وأكد لنا أن ماء المطر هو ذاته يتم تخزينه في الأرض بقدرة الله، ويتم تنقيته في طبقات الصخور والتراب ليصبح قابلاً للسقاية. ولذلك قال: {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} ولولا رحمة الله وأنه سخر القوانين الفيزيائية المختلفة لما مكث الماء في الأرض، ولزالت الحياة من على ظهرها!
يؤكد العلماء اليوم أن مصادر المياه هي الأرض ذاتها، وهذا ما أشار إليه القرآن بقول الحق تبارك وتعالى: {وَالْاَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (النازعات: 30-31). وهناك الكثير من الإشارات القرآنية إلى أصل الماء على هذا الكوكب، وجميع الآيات جاءت متفقة مع العلم الحديث، وهذا برهان مادي على صدق كتاب الله تعالى.
ولكن الشيء العجيب حقاً أن التراب، والذي يعتبر مليئاً بالفراغات لا يسمح للماء بالمرور خلاله بسبب خاصية أودعها الله فيه، هي أن التراب له القدرة على الامتزاج بالماء والاهتزاز بعد نزول الماء عليه. ولولا هذه الميزة وهي احتضان التراب للماء واختزانه له، لم يستطع النبات أن ينمو. وهذا ما أشار القرآن إليه بقوله تعالى: {وَتَرَى الْاَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (الحج: 5). وسبحان الله الذي تحدث في كتابه عن كل شيء!
حتى إن القرآن قد حدثنا عن مصدر ينابيع الأرض بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْاَرْضِ} (الزمر: 21). فهذه الآية تؤكد أن مصدر الينابيع هو ماء المطر حيث كان الاعتقاد في الماضي لدى بعض الشعوب هو أن هذه الينابيع تستمد ماءها من ماء البحر!!!
ولكن العلماء اليوم يبحثون عن مصدر جديد للماء في المستقبل، ويؤكدون أن أفضل مصدر موجودٌ في الجبال العالية، حيث إنها تختزن كميات ضخمة من الماء. والعجيب أن القرآن قد تحدث عن ذلك بقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} (المرسلات: 27).
إنها آيات محكمة تدل على صدق هذا القرآن وتوافُقه مع الحقائق العلمية، وليس كما يدعي المشككون أنه كتاب عادٍ تمت صياغته بثقافة عصره، فلو كانت دعواهم صحيحة لرأينا فيه الأساطير والخرافات، ولكننا نراه دائماً يتفق مع العلم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن مصدر هذا القرآن هو الوحي الإلهي، تأملوا معي هذا التحدي الإلهي: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَاتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَاتِهِمْ تَاوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُومِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُومِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} (يونس: 37-40).
موقع عبد الدائم الكحيل