لعل من نافلة القول ومكرور الكلام أن يقال: إن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من أوثق عرى الإسلام، ومن آكد متطلباته، ومن أشرف وسائله ومنطلقاته. فلا حرج من إعادة مثل هذا الكلام تأكيدا وتذكيرا؛ فتعيها أذن واعية. وقصدي التذكير بأهم مقاصد الدين ووسائل حفظه وهي الدعوة إليه وتبليغه إلى الناس بأجمل صورة وأحسن بيان. ولذلك يحسن أولا بيان منزلة الدعوة وأهميتها ودورها في تعزيز البعد الرسالي. أولا: منزلة الدعوة في الإسلام : لقد وردت آيات عديدة وأحاديث وافرة في بيان فضل الدعوة وعظيم منزلتها عند الله تعالى وفي ما يلي أمثلة لذلك. 1- من القران الكريم: اعتبر القران الكريم أن أفضل الأقوال وأحسنها هو قول صُرف وقيل في سبيل الدعوة إلى الله والإرشاد إليه قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(فصلت :33) وقد جاء الأمر بتبليغ الدعوة في غير موضع، فقال تعالى:{ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}(النحل : 125). وهي مطلب من مطالب عباد الرحمان الذين: {يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}(الفرقان: 76-74). ولقد أمرنا الله تعالى بأن نكون من الأمة التي تدعو إلى الخير والصلاح؛ فقال عز من قائل: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر}( ال عمران : 104). وجعل الله عز وجل من صفات الناجين من الخسران الأبدي التواصي بالحق والتواصي بالصبر فقال تعالى: {والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}(العصر: 1- 4). 2- من السنة النبوية: أماالأحاديث الدالة على الدعوة فإنها قد بلغت من الوفرة حد التواتر المعنوي، وسأكتفي هنا بذكر بعض الأحاديث القولية في هذا الباب: أولها: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : “والله لأن يهدي الله رجلا بك، خير لك من أن يكون لك حمر النعم”(متفق عليه). الثاني: عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من دل على خير فله مثل أجر فاعله”.(أخرجه الإمام مسلم) الثالث: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”خيركم من تعلم القرآن وعلمه”( أخرجه الإمام مسلم ). ثانيا: أهميتها التربوية في حياة المسلم. عندما تكون الدعوة إلى الله تعالى جزءا من حياة المسلم اليومية في بيته وفي عمله وطريقه، ومع زملائه، وفي جميع أحواله؛ فإنها تؤثر فيه تأثيرا تربويا بليغا تجعله يرتقي في مدارج الإيمان ومسالكه، إلى ما شاء الله تعالى من ذلك بحسب النية والجهد والمثابرة . وحري بنا أن نعلم أن جبلة الإنسان السوية طُبعت على حب الخير للآخرين فإذا لبى الإنسان هذا الداعي الجبلي الشرعي؛ أحس في باطنه بسعادة عارمة ونشوة إيمانية صادقة . فإذا كان كل ما جاء به الإسلام خيراً وفضلا كبيرا؛ فإن الدلالة عليه وإرشاد الناس إليه يزيل من النفس ما علق بها من صفات دنيئة سفلية كالأنانية والفردانية والحسد والبخل… ثالثا: دورها في تعزيز البعد الرسالي : حمل هم الدعوة وممارستها تجعل المتصف بها مسلما رساليا يقتدي بالأنبياء والرسل والصالحين في مجال التبليغ ونشر الخير والمعروف ونبذ الشر والمنكر. فالدعوة إلى الله تعالى هي من أكبر المنبهات و العلامات على رسالية صاحبها، فهي الحد الفاصل بين المسلم الرسالي وغير الرسالي. ويتأكد تعزيز الدعوة إلى الله للعبد الرسالي في سلوك المسلم عندما تهيمن على الفكر والشعور، وتنشد غاية تستعد لها الذات على كافة المستويات تعلما للشرع ومقاصده السامية، وتدربا على كيفية القيام بالدعوة بأخلاقية سمحة، وعلمية فعالة.
د. عبد اللطيف تلوان