افتتاحية – حينما يحضر الوازع الديني…!


حينما يحضر الوازع الديني ينضبط كل شيء، وداخل كل شيء، ينضبط الإنسان، ومعه ينضبط ما يحيط به، لأن الانسان هو المسؤول عن هذا المحيط، فبصلاحه يصلح كل شيء، وبفساده يفسد كل شيء. ولا صلاح للإنسان ذاته إلا بصلاح نفسه: ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد))؛ ذلك القلب هو مركز الوازع الديني. حينما يحضر الوازع الديني يحضر الرقيب الداخلي، فلا يُحتاج إلى أي رقيب خارجي، ولا إلى أي زاجر أو ناه أو آمر، كيفما كان شكله أو نوعه. حينما يحضر الوازع الديني تُنجز الواجبات، وتُعطى الحقوق، بصورة كاملة، دون أي صراع أو نزاع، ودون أي عنف أو حقد. حينما يحضر الوازع الديني يغيب النفاق ويحضر الإخلاص، يغيب الغش ويحضر الإتقان، يغيب الكسل ويحضر الجد والاجتهاد. حينما يحضر الوازع الديني يحضر التآخي ويغيب الاصطدام، يحضر التعاون ويغيب التنازع، تحضر الوحدة وتغيب الفُرقة، تحضر المصلحة الجماعية وتغيب الأنانية الفردية. حينما يحضر الوازع الديني يكثر الإنتاج، وتتقدم الأمة، ويصير الناس كلهم عباد الله إخوانا، لا فرق لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. ولكن أين هو ذلك الوازع الديني في هذا الزمن الذي غلبت فيه المادة وساد المال، حتى أصبح جل الناس عبيداً لهما، لا يأتمرون إلا بأوامرهما ولا ينتهون إلا بنواهيهما؟ لقد غاب الوازع الديني بغياب الدين الذي هو الأصل، أو لِنَقُل بتغييبه من الحياة الفردية والجماعية على حد سواء. لم يعد الفرد ولا الجماعة ولا الهيآت يحتكمون إلى الدين، لقد غيَّبه العديد من الناس من مرجعياتهم، حتى أصبح الملتزم بتعاليم الدين حق الالتزام غريبا في وسطه ومحيطه. غاب الوازع الديني رغم أن جل الناس يتحدث عن الدين ويدّعي العلم به، بل وقد يتَـزَيَّـى بِزيه مظهرا، لكن الجوهر فارغ ، بفراغه من الوازع الديني. غاب الوازع الديني وغابت القيم الدينية والخلقية، فكثر الغش، وفشت الرشوة، وساد الظلم، وطغى الفساد، وانتشرت الجريمة، وعمت السرقة، وتنوعت أشكال الاعتداء والعنف، حتى أصبح الفرد منا في كثير من الأحيان لا يكاد يأمن على نفسه أو على أولاده، وخاصة في بعض الأوقات والأماكن. ولعل ما تُذيعه وسائل الإعلام أو تنشره من أخبار وصور لجرائم القتل والاغتصاب وغيرها من الجرائم مما تقشعر لهوله الأبدان ليس إلا وجها من تلك الوجوه القاتمة. إن حضور الوازع الديني أو استحضاره من جديد عن طريق غرس القيم الدينية والخلقية في ناشئتنا قمين بأن يدفع عنا الكثير مما نعيشه من فتن اجتماعية وقلق نفسي، ويجعلنا مجتمعا آمنا مطمئنا: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>