مَاذَا يُرادُ بالـمرأة الـمُسلمة في زَمَن العوْلـمة؟!


314 مَاذَا يُرادُ بالـمرأة الـمُسلمة في زَمَن العوْلـمة؟!

1) الإسلامُ أحقّ بالعوْلمة حقّا وصِدْقا :

الإسلام منذ نزل نزل عالمِيّا، والدليل على ذلك أن السُّور المكيّة والتي هي أوّل ما نزل من القرآن تضمنتْ عالميته، ففي سورة القلم جاء قول الله تعالى : {ويقُولُون إنَّهُ لمَجْنُونٌ وما هوَ إلاّ ذِكْرٌ للعَالَمِين}(52)، وفي سورة الأنبياء جاء قول الله تعالى {وَمَا أرْسَلْناكَ إلاّ رحْمَةً للْعَالِمِين}(106)، وفي سورة سبإ جاء قولُ الله تعالى {ومَا أرْسَلْناكَ إلاّ كافَّةً للنّاسِ بَشِيراً ونَذِيراً ولكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يعْلَمُون}(28).

وقال  : >…وكان النّبِيُّ يُبْعَثُ إلى قوْمِه خاصّةً وبُعِثْتُ إلى النّاس عامَّةً<(رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي)، وقال  أيضا : >والذِي نفْسُ مُحَمّد بيَدِه لا يسْمَعُ بِي أحَدٌ مِنْ هَذِه الأُمّةِ -أمة الدّعوة- يهُودِيٌّ ولا نصْرانِيٌّ ثُمّ يمُوتُ ولمْ يُومِنْ بالذِي أرْسِلْتُ بِه إلاّ كان مِنْ أصْحابِ النّارِ<(رواه مسلم).

هذا الحديث الأخير صرّحَ باليهود والنصارى خاصة لأنهم أهل كتاب، وكتابُهُم يحُضُّهُم على اتباعِ الرسول الخاتم عند بعثته، فإذا لم يومنوا به فهم يُعْتَبَرون من الكافرين بكتابهم، ولذلك فالحجةُ عليهم أقوى وأشد، أما غيرهم مِمّن لا كتاب لهم فهم داخِلون في أمة الدّعوة من باب أوْلَى وأحْرَى.

2) تَراخِي المُسْلِمين في الدّعوة ليْس حجةً على عَدَم عوْلَمَة الإسْلام :

إن الله تعالى قال للمسلمين بصيغة الأمْر الواجب : {ولْتَكُن مِنْكُم أمّةٌ يدْعُون إلى الخَير ويامُرُون بالمعرُوفِ وينْهَوْن عن المُنْكَر وأُولَئِك هُمُ المُفْلِحُون}(آل عمران : 104) وقال تعالى : {اُدْعُ إلى سَبِيل ربِّك بالحِكْمةِ والموْعِظَةِ الحَسَنَة وجَادِلْهُم بالتِي هِيَ أحْسَنُ}(النحل : 125)، بل أكثرُ من ذلك نجدُ أن الإسلام اعتبَرَ الدّعْوة للدين أحسنَ وظيفةٍ على الإطلاق، فقال : {ومَنْ أحْسَنُ قوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى اللّه وعَمِلَ صالِحاً وقالَ  : إنَّنِي مِن المُسْلِمِين}(فصلت : 32).

3) شرْعِيةُ العوْلمةِ الإسلامية وهوائيّة العولمة البشريّة :

إن العولمة الإسلامية نزل بها القرآن الذي هو آخِرُ خطابٍ ربّانيٍّ للبشر جميعاً، ونصّ عليها الرسول الخاتم الذي هو حجة على البشر جميعا، والله عز وجل المنزِّلُ للقرآن هو أعْلَمُ بمصالح البشر في الحال والمآل، ولعِلْمِه بالمصالح الحقيقية للبشر حاضراً ومستقبلا كان القرآن صالحاً لكل زمان ومكان لأنه صادِرٌ عن الله عز وجل المُنَزَّه عن الخطأ والنسيان والغفلة، والمنزّه عن الغَرَضِ والهوى، لأن الله عز وجل فوق الزمان والمكان، وفوق الأغراض والمصالح، من أطاعَهُ لم يزد في مُلكه شيئاً، ومن عصاه لم ينقُصْ من مُلكه شيئاً. ولذلك كان القرآن، وكان الدين لمصلحة البشر خاصة في دنياهم وأخراهم، إن أطاعو ربّهم سَعِدُوا في الدنيا وبُوركَتْ حياتُهُم، وخُلِّدُوا في نعيم الآخرة ورضوان الله تعالى، وإن عَصَوْا شَقُوا دنيا وأخرى {ومَنْ أعْرَضَ عنْ ذِكْرِي فإنّ لهُ معِيشَةً ضنْكاً ونحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أعْمَى}(طه : 122).

4) مُمَيّزاتُ العوْلَمة الربّانية :

مميزاتها لا تُعدُّ ولا تُحْصَى، وهذه فقط أبرزُها :

1- أنها من عند الله عز  وجل المُوَفِّقِ والهادي لكُلِّ رُشدٍ وفلاحٍ وخير عَمِيم للإنسانية جمعاءَ.

2- تمْنحُ للإنسان كامِلَ الحرِّية ليقرِّر مصيرَه، ويختارَ طريقَه الذي يتحمّلُ فيه كامل المسؤولية {لا إكراه في الدين}(البقرة : 255) فلا سُلطة لرسولٍ أو أيِّ بَشَرٍ عليه في اختيار دينه أو مذهبه، أو سياسته أو سلوكه إلا سُلطة خالقه يوم يقف أمامه مسؤولا عما اختاره لنفسه بعد إعْذارِ الله تعالى بإنْزَالِ الكُتُب وإرسال الرسُل.

3- تُحقِّقُ للإنسان الكرامة الحقَّةَ، فلا حقَّ لأحَدٍ -شرعاً- أنْ يعْتديَ على نفسه، أو ماله، أو عِرضه بغير حق، بل لا حقّ لأحَدٍ في أن يَسْخَر منْه، أو يتجسَّسَ عليْه، أو يُسيءُ الظّنَّ به، أو يسُبَّهُ، أو يقْذِفَهُ بغير بيِّنَةٍ عادلةٍ، أو يغْتابَه، أو يُشَهِّر بعيوبه ومساوئه التي لا تسبِّبُ للمجتمع ضرراً أو إفساداً.

4- تحقِّق للإنسان العدالة التامة التي لا تتأثر بالميولات والأهواء {يا أيُّها الذين آمَنُوا كُونُوا قوّامِين بالقِسْط شُهَداءَ للّهِ ولوْ علَى أنْفُسِكُم أو الوَالِدَيْن والأقْرَبِين}(النساء : 134) {ولا يجْرِمَنَّكُم شَنَانُ قَوْمٍ علَى ألاّ تعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أقْرَبُ للتّقْوَى}(المائدة : 9).

5- تحقق للإنسان العِفَّة الكاملة : عِفَّة الفِكر والقلب، وعِفّة القول واللسان، وعفَّة السّمْع والبصر، وعفّة السلوك، وعِفّة الفرج، بحيث لا تسْمَحُ العوْلمة الربّانيّة بالقُرب من الفاحشة، فما بالُك بالوقوع فيها {ولْيَسْتَعْفِفِ الذِين لا يَجِدُون نِكَاحاً حتّى يُغْنِيَهُم الله مِن فضْلِه}(النور : 33).

6- لا تسمحُ للإنسان بأن يكْسبَ رزقَهُ عن طريق الحَرَام البيِّن أو المشتبَه فيه، قال  : >إنّ الحلالَ بيِّنٌ وإن الحرَامَ بَيِّنٌ وبيْنَهُما أمُورٌ مشْتَبِهاتٌ لا يعْلَمُهُن كَثِيرٌ مِن النّاسِ فَمنِ اتّقَى الشّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِه وعِرْضِه ومَن وَقَع في الشّبُهاتِ وقَعَ في الحَرامِ<(متفق عليه)، وقال تعالى : {ولا تَاكُلُوا أمْوَالَكُم بيْنَكُم بالبَاطِل وتُدْلُوا بِها إلى الحُكّامِ لتَاكُلُوا فَرِيقاً مِن أمْوَالِ النّاسِ بالإثْمِ وأنْتُم تعْلَمُون}(البقرة : 187) فلا شرعية لمالٍ مكتسَب عن طريق السرقة، أو الغصب، أو الغش، أو الانتهازيّة واستغلال السلطة، أو الربا، أو الاحتكار، أو المتاجرة في المحرّمات والأعراض…

هذه بعض مزايا العولمة الربّانيّة، فما هي العولمة البشرية؟!

5) حَقِيقَةُ العوْلمة البشريّة :

العولمة البشرية هي نظامٌ اخترعَهُ الطغاة الكبارُ للسيطرة على ضِعاف العالَم والتحكم فيهِم عن طريق ما سمّوْه >الشّرعية الدّولية< أو ما أطلقوا عليه -زوراً وبهتانا- >القيم الكونية< لأن القيَمَ الكونية -حقيقة- هي ما أنْزَله الله تعالى خالقُ الكون لخَلْقِه ليَسير بدون اصطدامٍ مع محيطه وبيْئتِه، من المحافظة على سلامة فطرة الإنسان وحريته وكرامته وحفظ كُلّياتِه الضرورية.

وهذا النظامُ العالميُّ الجديد -وإن كا ن مضمونُه قديما- اخترعه الكبار بعد الحرْب العالمية الثانية لتنظيم العالَم على أساس هياكِلَ تضمَنُ السيطرة على أمْوالِ العالَم وجعْل مُسْتَضْعَفِيه مُجَردَ خَدَمٍ وعبيد للمُحادِّين لله وللرسول ولكُل القيَم النبيلة والسّلوكات النظيفة.

6) بعض هياكل الشرعية الدولية :

> مجلس الأمْن الذي يتحكّمُ فيه كبارُ العالَم قوةً وتسليحاً بأعْتى سلاح مُدِمِّرٍ للدول الضعيفة، وللحضاراتٍ والقيم التي لا تسايِرُ أهواءَه، ولذلك لا سلطة فوقه إلا سلطة الله تعالى، ولكِنّ كبار مجلس الأمن الخمسةَ لا يعترِف أيّ واحٍدٍ منهم بالله تعالى ولا بأحقية حُكمه لكونه ومُلكِه، وأحقيةِ قيوميّته لهُ بالحق والعدْل، وأحقيّة إنصاف عباده المظلومين من الظالمين، فإذا اتفق الخمسة الكبار على إشهار الفصل السابع من بنوده في وجه المغضوب عليهم من بعض الدول الرافضة لأهوائه، فلا اعتبار للمعارضين من باقي أعضاء المجلس، لأن عضويتهم مجرّدُ ذرٍّ للرماد في عُيون المغفلين أو المغلوبين على أمورهم.

> محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية التي تُجرِّدُ سيوفَها لقطع رقاب الضُّعفاء.

> الأمم المتحدة المجردة عن كل سلطة مُلْزمة بدون مجلس الأمْن.

> تأسيس المؤسسات الكفيلة بالتحكم في الاقتصاد العالمي كصندوق النقد الدولي الذي يحرُس النظام النقدي، وكالبنك الدولي المنظّم للتدفّقات المالية، وكتوسيع النظام الربوي لرَهْن مقدّرات الدّول والشعوب، وكفتح الأسواق لجعل الدول الضعيفة مجردَ مستهلِكٍ لما تُنْتِجُه الدول المتقدمة صناعة وتقنيةً وعلماً مادياً وبالأخص في امتلاك أسْرار  القوة العسكرية والإعلامية والاستخباراتية والفضائية، فإنها تحتكر هذه الأسرار ولا تسمح لأحد بامتلاكها.

7) هدف العولمة :

يمكن اختصار أهداف العولمة البشرية في :

< ابتلاع ثروات العالم عن طريق السيطرة الاقتصادية.

< تحطيم الحدود الجغرافية ليصبح العالم قرية كبيرة، أو قبيلة كبيرة لها شيخ يحكمُها هو مجلس الأمن.

< تذويب الثقافة والأخلاق لتصبح ثقافة الغالب وأخلاقه هي السائدة.

< تذويب الأديان، وبالأخص الدين الإسلامي الذي هو الدين حقا، لتصبح الشرعية الدولية هي الدِّين الجديد.

< افساد الأسرة بتغيير مفاهيمها من أسرة تتكون من رجل وامرأة وأولاد إلى أسرة تتكون من رجل ورجل أو امرأة وامرأة، وهذا لعمْرُ الحقِّ قمة الإفساد البشري الذي يتنزّه عنه الحيوان الأعجم، ثم سُلطت الأضواء على المرأة التي أعطَوْها حقّ التعري بدون حدود ولا قيود، وحق ممارسة الفاحشة بدون تبعة ولا عقاب، وحق التجرُّؤ على الله عز وجل ودينه بانتقاد الثابت من نصوص القرآن والسنة بدعوى المساواة كانتقاد القوامة، وانتقاد ما أعطاها الله تعالى من الإرْث، وحق بيْع جسدها لطلاب الرغبات الشهوانية، وحقّ الترحيب بمواليدها من السفاح. وحوَّلُوها من سَكَنٍ ومودة ورحمة متبادلة بينها وبين الرجل الزوج إلى نَدٍّ مصارع لتحقيق الذات وتحقيق الغلبة والسيطرة الخاوية الجوفاء، بل ضخّموها ونفخوا فيها لتحقيق ذاتها المادية عن طريق تفضيلها على الرجل في الكثير من الوظائف لغاية في نفس يعقوب، فأصبحت وزيرة، ومهندسة، وطبيبة، وشرطية، وجندية، وحدّادَة، ومقاوِلة، وسائقة للحافلة وسيارة الأجرة، وتاجرة، ومربية الدجاج والأرانب والمعز والأبقار.. ولا عَيْب في ذلك لو كان ذلك كُلُه متوازنا مع وظيفتها الأصلية التي لا يستطيع الرجل أن يقوم بها، وهي تربية الأجيال الصالحة، التي تعتبر بحق مفخرةً لها وحْدها.

بلْ أكثر من ذلك ضُخِّمَتْ تضخيما كاذبا نفاقيا إلى درجة تقديمها في الخطاب على الرجال >سيداتي سادتي< وإلى درجة حذف تاء التانيث أحياناً >مثل الدكتور عزيزة< مع أن الله عز وجل قدّم الرجُلَ عليها ميلاداً، فسيدنا آدم هو أوَّل إنسان خلقَه الله تعالى، ثم خَلَق منه زوجته {يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُ الذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْها زَوْجَهَا وبَثّ مِنْهُما رِجَالاً كَثِيراً ونِسَاءً}(النساء : 1) وقدّم الرجل على المرأة في القسم بهما {واللّيْلِ إذا يَغْشَى والنّهَارِ إذَا تَجَلى ومَا خَلَق الذَّكَر والانْثَى إنّ سَعْيَكُم لَشَتَّى}(الليل : 1) وقدّم المُسْتقَرّ على المُسْتَوْدَع {وهُوَ الذي أنْشَأَكُم مِن نّفْسٍ واحِدَةٍ فمُسْتَقَرٌّ ومُسْتَوْدَع قَدْ فَصّلْنا الآيَاتِ لقَوْمٍ يفْقَهُون}(الأنعام : 99) المستقر مكان الحيوانات المنوية، والمستودَع مكان استقبالها وتخليقها. والقرآن أكثره وجّه الخطاب للإنسان بصيغة الجمع الرجولي الذي يتضمّن الرجال والنساء معا، مثل {وأقِيمُوا الصّلاة} {فِيه هُدًى للمُتَّقين} {قد أفْلَح المُومِنُون} فهو خطاب يشمل المقيمات للصلاة، والمتقيات، والمفلحات… إلى غير ذلك مما هو كثير.

بل أكثر من ذلك جعلوا للمرأة عيداً، وللأم عيداً، ولا عِيدَ للرجل ولا للأَبِ، وأنشأوا لها جمعيات تطالب بحقوقها، ولا جمعيات تطالب بحق الرجل، فهل هذا التضخيمُ بَرِيءٌ من الأهواء والأغراض التي ترمي إلى العبث بالأُسْرة المسلمة التي هي الصّرح المنيع، والحِصْن المتين لبقاء المجتمعات المسلمة متماسكة ومترابطة برباط الإيمان المستعصي على الذوبان في مستنقعات العولمة البشرية؟! ذلك ما يُقطَعُ بالشك فيه، و{حَسْبُنا اللّه ونِعْم الوَكِيل}(آل عمران : 173).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>