مواقف وأحوال – توبة طالب علم


من تمام التوبة، وكمال الأوبة، ترك أرض المعصية، ومكان الخطيئة، ولقد قص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك خبر الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، وإرشاد العالم له بترك القرية التي عصى الله تعالى فيها، والانتقال إلى قرية صالح أهلها، وكيف أن ذلك كان سببا في حسن حاله، وجميل مآله، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا، ثم خرج يسأل، فأتى راهبا فسأله فقال له: هل من توبة؟ قال: لا، فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فناء بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له” وقد تكرر هذا الأسلوب التربوي الرائع في تاريخنا ما لا يحصى عددا، ومنه موقف نذكّر به اليوم شباب الأمة، خاصة طلبة العلم منهم، إنه موقف الشاب الطالب محمد بن عمر بن الفتوح، هذا شاب ولد ونشأ بتلمسان، وانخرط في طلب العلم بها، فكان نجيبا ذكيا متوفقا، لكن خطأ وقع منه في زمن الطلب وريعان الشباب، جعله يترك تلمسان نهائيا، ويرحل إلى فاس ثم إلى مكناس، حيث قضى بقية عمره إلى أن توفي بها، فما خبره؟ وما قصته؟ قال ابن غازي رحمه الله: وحدثني -يعني أبا زيد عبد الرحمن بن أبي أحمد بن أبي القاسم الغرموني- أن السبب في انتقال أبي عبد الله بن الفتوح من تلمسان أنه كان من نجباء طلبتها، وكان شابا مليح الصورة، حسن الشارة، فمرت به امرأة جميلة، فجعل يسرق النظر إلى محاسنها من طرف خفي، فقالت له اتق الله يا ابن الفتوح، “يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور” فنفعه الله تعالى بكلامها، فزهد في الدنيا، وكان من تمام ذلك خروجه من الوطن، فلحق بفاس، وهو أول من أشاع فيها مختصر خليل”(1). ومن تمام فضل الله عليه، وعلامات قبول توبته، أن الله تعالى أكرمه بالعلم والصلاح، ورزقه القبول الحسن بين الناس، فقد وصف بأنه علامة ورع، ناسك زاهد، منقطع للعبادة، يأوي إلى المساجد الخالية ويعمرها بتلاوة القرآن العظيم، حسن المنظر، نظيف الثياب”(2) رحمه الله ورضي عنه. فإذا عصيت الله فأسرعنَّ إلى التوبة، وإذا قيل لك: اتق الله، فاتقه، ولا تكن كمن إذا قيل له : اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبيس المهاد. ————– 1- فهرست ابن غازي ص : 75-76 2- إتحاف الناس بجمال حاضرة مكناس لابن زيدان السجلماسي3/676

د. امحمد العمراوي من علماء القرويين amraui@yahoo.fr

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>