مواقف وأحوال – العز بن عبد السلام.. في مواجهة حكام مصر


من منا لم يسمع يوما بالشيخ عز الدين بن عبد السلام؟ ذلك العالم العامل، المغربي الأصل، الدمشقي المولد، الملقب بسلطان العلماء، وبائع الملوك والأمراء، هذا الرجل العظيم تبكيه قاهرة المعز في هذه الأيام وهي تنزف دما كل يوم تقريبا. من غرر كلامه رحمه الله في رسالة إلى أحد حكام زمانه: “…والله أعلم بمن يعرف دينه، ويقف عند حدوده، وبعد ذلك فإنا نعلم أنا من جملة حزب الله، وأنصار دينه وجنده، وكلّ جنديّ لا يخاطر بنفسه فليس بجنديّ”. كان رحمه الله قوَالا للحق، وقافا في وجه الظالمين، والطغاة المتجبرين، فأرعبهم وزلزل عروشهم، وباع بعضهم في سوق النخاسة، ومن مواقفه رحمه الله: 1- أنه طلع يوم العيد إلى القلعة والعساكر مصطفون بين يدي السلطان، والأمراء تقبّل الأرض له، فنادى في ذلك الموكب العظيم: يا أيوب، ما حجّتك عند الله إذا قال لك: ألم أوَلك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟ فقال السلطان: هل جرى هذا؟ فقال نعم، الحانة الفلانيّة يباع فيها الخمر وغيره من المنكرات، وبها أنواع من سوء، وأنت تتقلّب في نعمة هذه المملكة، وذلك بأعلى صوته، والعساكر واقفون، فقال: يا سيدي، هذا شيء لم أعمله، وهو من زمان أبي، فقال: أنت من الذين يقولون يوم القيامة إذا سئلوا: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ” فرسم السلطان بإبطال ما يعمل في تلك الحانة. فلما انصرف الشيخ من المجلس قال له تلميذه الباجيّ: يا سيّدي كيف تجرأت على السلطان وفاجأته بهذا الجواب؟ فقال: يا بنيّ رأيته في تلك العظمة فأردت أن أهينه، لئلا تكبر نفسه، فقال له يا سيدي أما خفت منه؟ قال والله يا بنيّ استحضرت هيبة الله تعالى في قلبي، فصار السلطان قدّامي كالقطّ. 2- أنه بالغ في القيام بالأمر بالمعروف وشدّد في ذلك، حتى شجر بينه وبين الأمراء كلام في هذا المعنى، فقال لهم: أنتم الآن أرقاء لا ينفذ لكم تصرف، وقد عزمت على بيعكم، فشق ذلك عليهم، واستشاطوا غضبا، وهمّوا بالإيقاع به، وقال بعضهم: كيف ينادي علينا ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟ والله لأضربنّه، وشهر سيفه وركب في جمع من خدمه حتى أتى بيت الشيخ وسيفه مشهور بيده، وطرق الباب، فخرج عبد اللطيف بن الشيخ، فلمّا رآه على تلك الحالة رجع إلى أبيه وأخبره بما رأى، فخرج غير مكترث وقد اشتد جزع الولد، فقال له: يا بني أبوك أقلّ من أن يقتل في سبيل الله، فعند ما عاينه الأمير هابه وسقط السّيف من يده وبكى، ثم نزل عن فرسه، وأخذ يقبّل يد الشيخ ويسأله الدعاء ويستغفر مما كان منه، ثم قال: يا سيّدي، خبّرنا إيش تعمل؟ قال: أنادي عليكم وأبيعكم، قال: فثمننا في أي شيء تصرفه؟ قال: في مصالح المسلمين، قال: من يقبضه؟ قال: أنا، وانصرف، فلم يزل إلى أن نادى عليهم واحدا بعد واحد وبالغ في إشهارهم في النداء وحمل ثمنهم لبيت المال(1). حبس الشيخ عز الدين مرات ونفي أخرى، وتعرض لمضايقات شديدة، ولكنه لم يضعف ولم يستسلم، ولم ينهزم، فنصر الله به الدين، وأقام به الحق. فرحمه الله ورضي عنه.

د. امحمد العمراوي من علماء القرويين amraui@yahoo.fr
———-
1- طبقات المفسرين للداودي 1/315.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>