“الله يرحمك يامِّي” دعاء يقوله كل من ذاق الخسف والهوان من زوجة أب لا ترحم، هذا الدعاء هو بالضبط ما يردده قسم كبير من الشعب الفلسطيني هذه الأيام وهو يرى حكومته في رام الله تنفق إنفاق من لا يخشى الفاقة على نشر إعلان مدفوع الثمن للنص الكامل للمبادرة العربية التي خرجت من رحم قمة بيروت سنة 2002. الحكومة الموقرة تنشر هذه الوثيقة بجميع اللغات وبجميع ألوان الطيف على صفحات كبريات الجرائد الإسرائيلية والأمريكية والغربية وحتى العربية، وللتذكير فإن سعر الصفحة الواحدة في بعض الصحف الأمريكية والبريطانية لا يقل عن 150 ألف دولار. (أي 150 مليون سنتيم بالمغربية) أما حجة هؤلاء العباقرة التي تفتقت أذهانهم عن هذه الفكرة الخارقة فهي ببساطة محاولة منهم لكسر حالة التعتيم التي تمارسها الحكومة الصهيونية وبعض قاداتها السياسيين على هذه الوثيقة؟!
مع أن الكل يعرف أن كلا من الحكومة الصهيونية والشعب اليهودي سبق وأن رفض الوثيقة بل سخر منها.
فلا الحكومة ولا الشعب يفهم لغة الاستجداء هاته بل إنها لا تزيده إلا عناداً ومكابرة ومزيداً من التنكيل والحصار للشعب الفلسطيني المغلوب على أمره. فالشعب الصهيوني ومعه حكوماته السابقة والحالية لن يُجيدوا سوى فهم الأسلوب القوي الذي يهدد أمنهم واستقرارهم ورفاههم المادي والاقتصادي… أي نفس الأسلوب الذي احتلوا به أرضا ليست أرضهم وقتلوا وشردوا شعبا آمنا مستقراً محافظا على عرضه ودينه. لقد أثبتت كل التجارب القديمة منها والحديثة عدم جدوى سياسة استجداء السلام التي مورست لحد الآن.
فكم مرة التقى محمود عباس بأولمرت وصافحه وبش في وجهه؟
أكثر من عشرين مرة، ونفس عدد المرات أو قريبا منها التقى عباس بالسِّت رايس وجورج بوش، وعشرات المرات التقى بقادة أوروبين ولف من أجل ذلك جميع عواصم العالم الغربية منها والعربية ومع ذلك لم يفلح الرجل في :
> إزالة حاجز واحد أو
> إيقاف ربع مستوطنة أو
> كسر ثلث الحصار المضروب على أزيد من مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة.
> الافراج عن عُشر المعتقلين القابعين في السجون الاحتلال خاصة النساء منهم والقاصرين والشيوخ… فالمُفرج عنهم لحد الساعة إنما أفرج عنهم بمبادرة خاصة من أولمرت (كثر خيرو) في محاولة ذكية منه لإظهار النوايا الحسنة من جهة وللضحك على ذقن أبي مازن من جهة ثانية..
مواكبة لسياسة الاستجداء هاته التي ما فتئت حكومة السلطة الفلسطينية تتبعها منذ توليها وبالرغم من عدم جدواها، نجد الإعلام التابع لهذه السلطة يعمل ليل نهار على إغاضة الشعب الفلسطيني وصب المزيد من الماء المالح على جروحه الغائرة.. فالمتتبع لما تقدمه فضائية الحكومة هذه الأيام لابد أن يتفطر قلبه كمداً وغما وحسرة وهو يشاهد هذا الكم من السهرات الراقصة والبرامج الاستعراضية وهلم ميوعة، بينما نصف الشعب الفلسطيني يتدور جوعاً ومرضاً ومسغبة تحت حصار جائر ليست اسرائيل وحدها المسؤولة عنه؟!
نصف شعب بكامله بات ينازع الطيور والحيوانات علفها، أصبح هذا الشعب يلجأ إلى علف الطيور والدواجن يطحنها ليأكلها حتى يبقى من بقي منهم على قيد الحياة.
بربكم أخبروني أهناك إسفاف واستهتار وتشفي أكثر من هذا؟!
نصف شعب يتدور جوعا ومرضا، يموت العشرات من أطفاله ونسائه كل يوم لانعدام الأدوية والطعام بينما نصفه الآخر يسهر على نغمات الموسيقى وسهرات الرقص على فضائية حكومته..
{ربّنا لا تواخذنا بما فعل السفهاء منا}
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.