افتتاحية – متى يكون إعلامنا خادما لهويتنا؟


لم يعد خافيا على أحد أهمية الإعلام في منظومة الفكر السياسي المعاصر وتشابكاته أفقيا (سياسة واقتصادا وثقافة واجتماعا…) وعموديا (محليا وإقليميا ودوليا)، ولم يعد خافيا أن الإعلام أصبح قوة في التدافع الدولي وتوازن القوى، ولم يعد يقتصر على نقل المعلومة والخبر فحسب بقدر ما أصبح صناعة لها وجهان: صناعة الخبر وصناعة الرأي العام، والعلاقة بين الصناعتين علاقة تلازمية وطردية. وقد أصبح الإعلام بجميع أنواعه القديمة والجديدة معملا صناعيا تتفاوت قوته بقدر قوة الجهة التي تملكه، وبقدر ما يمتلكه من أدوات وإمكانات مادية وبشرية يتمكن من تغيير الرأي العام والتأثير في مجريات الأمور بما لا تحققه الحروب، فهو القوة الناعمة القادرة على إحداث التغييرات الجذرية والدائمة. وعليه فقد صار التعامل الإعلامي مع الأخبار تعاملا وظيفيا ونفعيا “براغماتيا”، وأصبح الخبر يعرض في المشرحة الإعلامية فيخضع للهندسة والتعديل الجزئي والكلي والتحريف والتشويه و”التجميل” ليتناسب كمّا وكيفا مع المقاصد التسويقية وحاجات المسوق دون المستهلك، ويخضع أيضا طوعا وكرها للمقاييس العلمانية بكل أبعادها ومستوياتها. ومن صور التشوه والتشويه الإعلامي في بلداننا الإسلامية وأخطرها: – حرب تحريف المفاهيم والانحياز الإيديولوجي السافر للجبهة التغريبية سياسيا وثقافيا وإقصاء الصوت العريض في الأمة المعبر عن أصالتها وضميرها الحي وكينونتها الحضارية وهويتها الإسلامية.. ولقد كانت لهذه الحرب الإعلامية الشرسة – خفية كانت أو جلية – آثار خطيرة جدا في تغيير الخارطة الفكرية للأمة، وتعديل خارطتها الحضارية، والتمكين للتغريب من الأمة تمكينا لم يعهد له مثيل.
– الإسهام في الحملة ضد الإسلام: إذ ذهبت منابر صحافية وقنوات ومواقع إلكترونية مذهب نظيراتها الغربية في حملتها ضد الكنيسة هناك. لذا وجدنا الإعلام عندنا يخصص زوايا وبرامج لمناقشة القضايا الدينية ولو كانت من المحكمات، ويشهر بالخلافات الفقهية ولو كانت سائغة، ويسفه العلماء والمفتين بغير علم، ويطعن في الثوابت الشرعية الثابتة بالنص.
– الإسهام في نشر الرذيلة عن طريق نقل الخبر عن الجرائم والفضائح الأخلاقية مصورة بطريقة تسمح بتعلمها وسهولة تقليدها، وترويج أفلام الخلاعة باسم حرية التعبير الفني والواقعية. كل هذا نتج عنه فصل أبناء الأمة عن تاريخهم وهويتهم، وتطبيعهم مع القيم الغربية، وتشويه خلقة الأمة قيميا وأخلاقيا. وضعف الالتزام بقضاياها ونصرتها.. ولذلك بات من الضروري وضع سياسة إعلامية شاملة وعاجلة لإنقاذ ما يجب إنقاذه، وعلى رأس ذلك:
– جعل الإعلام خادما للاختيارات الوطنية الكبرى وثوابت الأمة الدينية والحضارية، ومستجيبا لخصوصية الذات، وأن يحترم الواجبات الوطنية، وحقوق الإنسان المسلم في وطنه.
-إصدار مدونة قانونية إعلامية تنطلق في قوانينها من المرجعية الإسلامية ويجرم فيها كل تحريف لإرادة الأمة وكل خدش في قيمها وثوابتها، وكل تحايل على القيم الأخلاقية، والثوابت الإسلامية.
– تشكيل هيئة للرقابة الشرعية الإعلامية، هيئة مكونة من كبار علماء الأمة مهمتها ضبط بوصلة السياسة الإعلامية من الانفلات وترشيد العمل الإعلامي وتوجيهه توجيها يجعله مسهما فعليا في حفظ هوية الأمة ومشاركا حقيقيا في رهانات التنمية والسلم الاجتماعي .
رابعا: فتح المجال للإعلام الإسلامي للإسهام في العمران البشري القائم على العدل ونشر قيم الفضيلة والإخاء الإنساني، والحفاظ على مقومات الأمة وخصوصياتها مع الانفتاح المنضبط بضوابط الشرع على كل ما يفيد تقدم الأمة ويرفعها إلى مستوى الريادة والإمامة الحضارية. فمتى نؤمن بأن إعلامنا هويتنا؟ ومتى نشرع في تصحيح المسار المنحرف لإعلامنا؟ ومتى نستجيب لنداء ربنا حين يقول جل وعلا :”واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة”؟

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>