الصراع الذي تدور رحاه في العالم العربي وتطحن البشر والمنجزات الحضارية دون أدنى شعور بالدوار أو حتى الوخز الناعم للضمير وهو أضعف الإيمان شيء مرعب بكل المقاييس .. وكان يمكن لهذا الانقلاب في الأنظمة والقيم والأفكار أن يرسو على شاطئ الأمان وتنطلق في رحاب انتصاراته موجة من الإنتاجات الفكرية والأدبية المهللة لعهده الجديد بحمولته التغييرية وآثارها الطيبة والخلاقة في الأنفس والآفاق لو تعلق الأمر بأنظمة بديلة لا تتوسل باليافطة الدينية، ولم تتخلق في رحم الحركة الإسلامية أما وإن هذا المد البحري والبري والجوي قد تمخض وولد أنظمة ذات طابع إسلامي وإن بشكل جد مرن حتى لا نقول: شاحب وموارب، فإن علبة الأسرار انفتحت عن آخرها وجرت الاتصالات والمشاورات والسيناريوهات الأكثر استعجالية من المحيط إلى الخليج لسحب حقوق الشعوب في تنزيل خياراتها، وإن توسلت بالطرق الأكثر سلمية وحضارية. وانبجس في خضم هذا الحراك غير المتوازن، مفهوم ومصطلح حرية العقيدة، في طبعته الجديدة المنقحة، ليشكل عصا سيدنا موسى عليه السلام (حاشاها هذه الوظيفة)، التي تصلح لكل المآرب، فيتم إشهارها لإعلان الحق في “الخيار العقدي” الذي يتضمن الإيمان الحر بأي معتقد (غير الديانة الإسلامية طبعا) مع الحق في الرفض الحر لكل المعتقدات .. إلا أن الإشكال في هذا التوجه هو جانبه الديكتاتوري والتسلطي حين يتعلق الأمر بالآخرين المتدينين وخاصة منهم الذين يعتنقون الديانة الإسلامية. ففي الوقت الذي يدعو فيه اللادينيون إلى عدم المس بمفهوم حرية المعتقد تجد مجموعات معتبرة منهم، تشن حملة شرسة على الملتزمين بالطرح الإسلامي، (وإن بشكل باهت)، بل إن الرفض يصل حد صراع الوجود. وفي الوقت الذي يعاب فيه على المسلمين سعيهم لأسلمة المجتمع وواتهامهم بفرض تصور مجتمعي رجعي وماضوي على الجميع، مع استعانتهم بالإرهاب لإجبار الناس على الخيار الإسلامي بالنار والحديد !! تتوسل هذه القوى بأساليب إكراهية واستبدادية أكبر لفرض تصوراتها للنظام وللأشخاص، مع استعمال أداة الجبر الأكثر راديكالية لفرض النموذج اللاديني، بحشد التكتلات واحتلال ساعات البث الإعلامي وتأثيثها بالبرامج الأكثر تماشيا مع الأطروحة اللادينية، وبالموازاة مع ذلك النسف المركز والممنهج لحمولة النموذج الإسلامي .. فهل من حرية المعتقد ضرب معتقدات الآخر والرفض المطلق لاستعمال الآخر نفس السلاح ؟؟… وفي هذا السياق تأتي وقفتنا لهذه الحلقة عند أحد أعمدة المعتنقين للديانة الإسلامية من الغربيين، ويتعلق الأمر بعالم الرياضيات الأمريكي الدكتور جيفري لانج الذي اعتنق الإسلام في رحلة إيمانية عميقة أوصلته إلى بر الإيمان، وضمن مجموعة من الكتب الرائعة حول الإسلام، جاء كتابه “الصراع من أجل الإيمان” الذي نقل فيه تجربته الحية والدافقة معاني والعميقة في مكابدة الصراع الداخلي .. صراع النفس والهوية، والذي كان من ثماره مجموعة رائعة من التأملات والخلاصات الروحية العجيبة، التي ترد بشكل حضاري على تلك التحرشات الممتشقة باسم الحق في حرية العقيدة، معاول من مختلف الأحجام لضرب مرتكزات الديانة الإسلامية، من القواعد عبثا … فأشخاص نورانيون من طينة العالم الدكتوري جيفري لانج، حين يتولون الرد الراشد والعلمي الرصين بالحجة وباتباع المنهج الرباني [قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقينرضي الله عنه، ومن خلال كتاب الله عز وجل كما فعل جيفري لانج، فإنهم بلا شك يهدمون حائط الرمل الذي يقام في وجه انتشار الإسلام في سائر بقاع العالم. باعتبارهم علماء في مقام أول، وليسوا بدجالين أو سياسيين “مؤدلجين”. وللإشارة فهم كعادة كل الغربيين المزودين بالأحكام المسبقة الأكثر عدوانية وتشكيكا، ينساقون في البدء تربصا لا حنينا إيمانيا، للتنقيب في اختلالات كتاب الله عز وجل، وسرعان ما ترجهم الصعقة الكهربائية لمضامين القرآن الكريم، وتحدث بداخلهم الزلزال الأكبر فتنجلي الغشاوة عن أعينهم، فينبرون للرد على بناة حائط الرمل كما فعل “جاري ميلر” وكما فعل “جيفري لانج” وغيرهم كثير. يقول “جيفري لانج” الذي تسلم نسخة من كتاب الله من أسرة مسلمة وكان آنذاك ملحدا رافضا عقلا ووجدانا أن ينساق وراء ديانة مسيحية مشوهة المعالم ومليئة بالمغالطات اللا علمية، وبقراءته للقرآن الكريم انفتحت روحه بل كل مسامه ومنافذ كيانه للإسلام. يقول جيفري لانج في كتابه “صراع الإيمان”: (إلى هؤلاء الذين اعتنقوا الإسلام، الدليل الأعظم إلى الله الصمد القيوم المعين الله الذي من حبه للبشر أنزل القرآن هدى لهم.. وكمحيط واسع عميق، يغريك بالنزول فيه ومن أعمق إلى أعمق في أمواجه الرانعة لتغرق فيها.. وبدلا من أن تغرق في ظلمات هذه الأمواج إذا بك تغرق في محيط من الوحي والرحمة.. كلما قرأت القرآن الكريم أو صليت صلاة الإسلام إلا وانفتح في قلبي باب كان مغلقا، وأشعر بأني غمرت في رقة عارمة . الحب أصبح أكثر ثبوتا من الأرض التي تحت قدمي، إنها القوة التي أعادت إلـي نفسي، وجعلتني أشعر بالحب .. لقد أصبحت سعيدا بما فيه الكفاية، أن وجدت الإيمان بدين أعقله، وما كنت أتوقع أن يلمس هذا الدين شغاف قلبي). وفي سياق مذكرات اهتدائه للإسلام تحدث جيفري عن ذهوله أمام مجموعة من الإشكالات الفكرية والذهنية التي ما إن كانت تطرح أمامه حتى يجد الإجابة الشافية لها بالقراءة التأملية لكتاب الله عز وجل. نحن إذن أمام عالِم وفي العلوم الدقيقة، وهاهي كتبه ومقالاته كما كتابات جاري ميلر تؤكد المصداقية العلمية والروحية لكتاب الله عز وجل وهما معا انخرطا بمجرد اعتناقهما للإسلام في برنامج مكثف لتقريب الإسلام من الناس أجمعين وعلى رأسهم الغربيين .. ومن صراع الإيمان الذي يمكن الإطلاع على تفاصيل خطواته العجيبة في كتاب “صراع الإيمان” حيث يذكر فيه د. جيفري لانج لحظات الركوع والسجود المليئة بآلام ما قبل ولادة جيفري المسلم ثم توفيقه الرباني أخيرا في السجود والركوع بعد كسر احتناك الشيطان له، وانغماره في النحيب والبكاء الشديد لتخلصه من مارد العصيان، إلى صراع الدعوة الذي خاضه د. جيفري لانج في غربته كما د. جاري ميلر من خلال مقالاته وكتبه، في بيئة شرسة العداء للديانة الإسلامية وللمسلمين .. ويمكن القول أن جيفري لانج بجهده وحرقته على الدين، استحق شرف الانتساب إلى ثــلة إخـــوان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء الحديث عن صفاتهم في الحديث النبوي الشريف.. ولحديث المعتنقين الشرفاء بإذن الله بقية..
ذة. فوزية حجبي al.abira@hotmail.com