ومضات من مؤتمر الحوار وأثره في الدفاع عن النبي


انعقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض بالمملكة العربية السعودية يومي 7 – 8 صفر 1435 / 10 -11 دجنبر 2013. مؤتمر دولي في موضوع: “الحوار وأثره في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم”، شارك فيه أكثر من مائتي شخصية عالمية موزعة على خمسين جنسية من مختلف قارات المعمور، وطبعت أعماله في عشرة مجلدات.

ولقد كان اللافت للنظر في هذا المؤتمر أمران؛ أولهما يتعلق بطبيعة الموضوعات، وثانيهما بطبيعة الحضور. أما ما يتعلق بطبيعة الموضوعات التي قُدمت فإنها، على اختلاف محاورها واتجاهاتها، أجمعت على أن الإسلام في أصوله المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والسيرة العطرة قد رسم المعالم المثلى للحوار، أيِّ حوار، كيفما كان موضوعه، ومهما كانت طبيعة الطرف المحاوَر، وحجمه ومكانته، وقربه أو بعده من المحاوِر طينا وعقيدة. كما أكدت أن الحوار ينبغي أن يكون هو السائد بين جميع الأطراف. على أن الحوار المنشود ليس ذلك هو الحوار الذي يراد منه إظهار الذات أو التنفيس عن المكبوت، أو قمع الطرف الآخر وإحراجه، ولكنه الحوار الذي يهدف إلى البناء الحضاري وتشييد المقومات الإنسانية للفرد المجتمع، لأن الحوار الذي عرفه المجتمع الإسلامي في عهوده الزاهرة تنظيرا وتطبيقا كان يهدف إلى بيان الحقيقة ومعرفتها، والإذعان لها حال تجليها، لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها. ومن ثم ذهبت بعض التدخلات إلى ضرورة التفريق بين الإسلام في صورته الحقيقية المشرقة كما مثلتها مصادره، وبين فهم الأشخاص أو تطبيقهم له إفراطا أو تفريطا. وأما الحضور فقد كان اللافت فيه عدد من الشخصيات حديثة العهد بالإسلام، وبعضها الآخر لا تدين بالإسلام، لكنها موضوعية وواقعية في نظرتها وتصورها. في مقدمة الشخصيات حديثة العهد بالإسلام، أرناود فان دورن الذي كان ينتمي لحزب معروف بشدة عدائه للإسلام والمسلمين، والذي شارك قبل إسلامه في إنتاج الفيلم المسيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه أسلم، وكان سبب إسلامه تعمقه في دراسة الإسلام بهدف الإساءة إليه أكثر، لكن ذلك كان سببا في هدايته.

ولقد اعتمر في شهر فبراير من العام الماضي، ثم أدى فريضة الحج بعد ذلك، وأعلن حينها قائلا: “هنا وجدت ذاتي بين هذه القلوب المؤمنة، ودعواتي أن تمسح دموعي كل ذنوبي بعد توبتي، وسأعمل بعد عودتي من رحلة الحج على إنتاج عمل كبير يخدم الإسلام والمسلمين وينصر نبي الرحمة ويعكس خلقه العظيم”. وحينما سمعته وهو يتحدث في المؤتمر وخاصة في جلسته الختامية عن ضرورة إبراز مُثُل الإسلام ومحاسنه من خلال حوار هادئ، وأن الآخر – وجُلُّ الناس هُمْ هذا الآخر- لا يعرفون عن الإسلام أي شيء، أو أنهم لا يعرفون عنه إلا أشياء مغلوطة، أقول حينما سمعته يتحدث استحضرت صورتين:

- أولاهما صورة خالد بن الوليد صلى الله عليه وسلم الذي فعل ما فعل قبل الإسلام، فلما أسلم كان سيفَ الله المسلول على أعدائه، وقد أبلى البلاء الحسن في تاريخ الإسلام مما هو مذكور ومعروف في كتب التاريخ والسير. وأدعو الله تعالى أن يتأتى لصاحبنا هذا ما تأتى لخالد بن الوليد فيهدي الله تعالى أقواما على يده وخاصة في بلاده.

وثانيهما صورة بعض أولئك الذين يتنكرون لنور الإسلام وشرائعه السمحة ويعلنونها حربا عليه، وهم في عقر داره. وكلتا الصورتين تترجم بحق قول الله تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ” وقوله عز وجل: ” وإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}(محمد 38). ومن بين الشخصيات التي لا تدين بالإسلام، لكنها موضوعية في أحكامها ونزيهة في تصوراتها عضو البرلمان البرازيلي ديليجادو بروتوجينيس ( Delegado Protogenes)، والضابط السابق في الجيش البرازيلي، الذي كان له دور كبير في محاربة الفساد في بلاده، واستطاع أن يسترد من جيوب المفسدين 18 مليار دولار إلى خزينة الدولة، فذاعت شهرته بين بني قومه. لقد حضر المؤتمر ، وكان له أكثر من تدخل، من بينها ما قاله: في الجلسة الختامية للمؤتمر:”أيها السادة، استمعت لمحاضراتكم ومداخلاتكم على مدى يومين ويشرفني في هذه اللحظة أن أعلن وبكل ثقة: اعتبروني جنديا مسيحيا في خدمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه، كما أعدكم بأن أنقل ما استمعت إليه عن حقيقة الإسلام ونبيه الكريم إلى رئيس دولة البرازيل والمسؤولين وإلى الشعب البرازيلي”. وبنفس الإيقاع عبر مشاركون آخرون من جنسيات مختلفة عن إعجابهم بالإسلام وتقديرهم لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، معلنين أنهم لن يترددوا عن بيان المثل العليا للإسلام، حتى ولو كانوا غير مسلمين.

أ. د. عبد الرحيم الرحموني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>