مواقف وأحوال – هكذا كان السلف ينفقون على تعلم أولادهم القرآن


الإنفاق على التعليم أمر مطلوب، وعمل محمود، وهو دليل على رغبة المتعلم الصادقة في الطلب، ولولا ذلك ما بذل ماله بسخاء، ولا يخفى أن كثيرا من الفضلاء ينفقون على تعلم أولادهم بنين وبنات أموالا طائلة ابتغاء التمكن من العلوم المادية الصرفة، وإحراز قصب السبق فيها، ويتخيرون لأجل ذلك المدارس والجامعات، ويتحملون عبء إرسال فلذات أكبادهم لدول بعيدة، كما يتحملون تكاليف الدراسة والإقامة هناك، ولسنا نناقش صوابية هذا الأمر أو عدمها، وإنما نذكر هؤلاء الأحبة وغيرهم أن هناك علما آخر هو العلم على الحقيقة، إنه علم الوحي، إنه القرآن الكريم، لا ينبغي إغفال تعلمه وتعليمه لأولادنا من جهة، ونذكرهم أنه لا ينبغي أن نكون كرماء جدا من أجل تعلم العلوم المادية، بخلاء جدا عندما يتعلق الأمر بتعلم علم الوحي. اختر لابنك المكان الذي تراه أفضل لتعلم القرآن الكريم، وأنفق بسخاء ليتعلم ولدك القرآن الكريم، وانظر إلى عمل السلف في هذا المجال، كيف كانوا ينفقون حين يتعلم أولادهم أي شيء من كلام رب العالمين، ولو كان سورة الفاتحة، التي قد يبدو تعلمها شيئا عاديا، وأنا أذكرك بموقفين: > موقف الإمام أبي حنيفة رحمه الله: عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، قال: ((لما حذق أبي حمادٌ قراءة الفاتحة، أعطى أبو حنيفة المعلمَ خمس مائة درهم))(1) وهو ما يعادل مائة وخمسين ألف غرام من الفضة الخالصة.
وروي أنه أعطى لمعلم ابنه حين علمه الفاتحة ألفا واعتذر إليه”(2) أي ما يعادل ثلاثمائة ألف غرام من الفضة الخالصة.
> موقف عبد الله بن غانم القاضي رحمه الله تعالى : حكى ابن الرقيق أن عبد الله بن غانم القاضي كان له ابن، فجاء من عند معلمه فسأله عن سورته وحفظه، فقرأ عليه أم القرآن فأحسن في قراءته، فدفع إليه عشرين دينارا، -أي ما يعادل 85 غرام من الذهب الخالص- فلما جاء بها الصبي للمعلم أنكر ذلك وظن ظنا بالصبي، فأخذها وجاء بها إلى ابن غانم فقال له: رددتها استقللتها؟ فقال المعلم: ما أتيت من هذا، وإنما ظننت ظنا، فقال له: لحَرْفٌ واحدٌ مما علمته يعدل الدنيا وما فيها، قيل: وصدق، لأن الدنيا ما تزن عند الله جناح بعوضة من أحوالها فأحرى في أمور الآخرة(3) وفي نوازل البرزلي: ومكّن عبد الله بن غانم لولده عشرين دينارا يعطيها لمؤدبه لكونه أحسن الفاتحة قراءة فمكنها له، فجاء به المؤدب إلى ابن غانم، فقال له ابن غانم: كأنك استقللتها؟ فقال: لا، ولكن ظننت بالصبي، فقال له ابن غانم: لَحَرْفٌ واحدٌ مما علمته يعدل الدنيا وما فيها”(4). إنها قمة تعظيم القرآن وأهله.

د. امحمد العمراوي من علماء القرويين amraui@yahoo.fr
———–
1- مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه ص: 18
2- الجواهر المضية في طبقات الحنفية 1/ 496
3- المعيار 8/246
4- النوازل الكبرى للوزاني 8/227

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>