يوم السبت ثاني ربيع النبوي 1435 للهجرة رحل عن دنيا الناس أخونا الكريم، وأستاذنا الحبيب، الداعية المربي سيدي علي علمي شنتوفي. رحل عن دنيا الناس بعد عمر عاشه في طاعة الله تعالى، وخصصه للدعوة إلى الله جل وعلا. عرفت سيدي علي رجلا في زمن عز فيه الرجال وهب نفسه وماله ومسكنه وحياته لله جل وعلا عرفته صادقا مع ربه، لا يبحث عن منصب ولا جاه ولا شهرة .. عرفته مخلصا في أقواله وأفعاله لله تعالى، بحسب ما كان يبدو من حاله، وطول صحبته ومعاشرته. عرفته شديد الحزن على أوضاع الأمة، كثير البكاء لما آلت إليه أحوالها. عرفته رجلا متواضعا، كريما، سخيا كثير الإنفاق لماله في سبيل الله سيدي علي رحمه الله كان رجلا عظيما حمل هم الدعوة إلى الله على عاتقه، فصار ليله ونهاره في الدعوة إلى الله سواء.. سيدي علي ربَّى أجيالا بالكلمة، ولكنه ربَّى أضعافهم بالقدوة .. فهو الأول في البذل والعطاء، وهو السابق في الشدائد والصعاب.. سبّاق إلى الخيرات.. مسارع إلى المكرمات، منافس في الصالحات، ظل يسابق إلى مغفرة من الله ورضوان.. سيدي علي رجل اجتهد وجاهد، وأبلى في سبيل نصرة دينه البلاء الحسن، فما وجد للخير سبيلا إلا سلكه، ولا طريقا للإرشاد والدعوة إلا انخرط فيه. سيدي علي كنتَ إذا رأيته رأيت شيخا وقورا ابيضت لحيته، واشتعل رأسه شيبا، لكنك ما إن تجالسه وتخالطه حتى تجد نفسك أمام شاب في مقتبل العمر، تمتلئ نفسه حيوية ونشاطا، وتستحيي أن تبوح بتعبك أمام صبره وتحمله. كانت البسمة لا تفارق محياه، والسؤال عن إخوانه لا يفارق لسانه. لكن أهم ما ميز حياة سيدي علي الدعوية: 1- تركيزه على سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد كانت مادة دروسه، وموضوع محاضراته، وأساس كتاباته، حتى عرف بها واشتهر، وكان فيها ردفا لأخيه وحبيبه سيدي المفضل فلواتي رحمهما الله تعالى. 2- في العقد الأخير حصر همه أو كاد في نشر القرآن الكريم بكل السبل والوسائل، في فاس وخارجها، وجعل ذلك شغله الشاغل، وهدفه الأكبر، ومقصده الأعظم، فنجح في ذلك، وحقق الله له ما أراد. ماذا عساي أقول في حقك يا خادم القرآن، وناشر سيرة النبي العدنان؟ لقد خدمت القرآن صادقا، ودعوت إلى ربك صابرا محتسبا، وأنفقت في سبيل دينك مالك وأبليت فيه شبابك، وأفنيت من أجله عمرك، لم تثر كما أثرى غيرك، ولم تصب من المناصب ما أصاب الآخرون، لقد كنت أزورك وأنت مريض جدا، فتسأل عن طلبة القرآن، وأحوال المسيرة القرآنية والعلمية باستمرار، لقد ربيت أجيالا، وعلمت أجيالا، وتركت من خلفك صدقات جاريات. هنيئا لك ما قدمت، فقد كنت وستظل مثالا في الصدق مع الله والإخلاص له، هنيئا لك، فقد رحلت مبتسما ضاحكا مسرورا، رحلت مقبلا غير مدبر، حزنت قلوبنا لفراقك، وبكت عيوننا لوداعك، ولا نجد إلا أن نقول لك: نم قرير العين فإنا -بتوفيق الله تعالى- على العهد ماضون، ولصراط الحق سالكون، ولكتاب ربنا وسنة نبيه الكريم ناشرون، حتى نلقى الله بإذن الله سبحانه. نسأل الله أن يجمعنا بك في مستقر رحمته.
د. امحمد العمراوي من علماء القرويين amraui@yahoo.fr