إن تصعيد الحوار بين الأدب الإسلامي المعاصر والأصول التراثية لأدبنا العربي أمرٌ ضروري للإفادة القصوى من إمكانات تلك النصوص، والتجذّر أكثر في العمق الثقافي ـ الحضاري للأدب الإسلامي، شرط أن يتم ذلك بأكبر قدر من المرونة والحرية في التمحيص والفرز والانتقاء والتقّبل أوالرفض، وشرط ألاّ يتحول المعطى التراثي بنتيجة الإلحاح المتزايد على احترامه والأخذ عنه، إلى دائرة القدسية التي قد تجعله يمارس نوعاً من المصادرة أوالتسلّط القسري على العقل الأدبي الإسلامي المعاصر. إنما هو التوازن المرسوم بعناية من أجل التوصّل إلى أكثر صيغ الحوار بين الماضي والحاضر فاعلية وعطاءً. ويمكن في هذا السياق تنفيذ عدد من الخطوات لتحقيق أكبر قدر من الإفادة في توظيف العمق التراثي لصالح حركة الأدب الإسلامي المعاصر ويمكن أن تأخذ هذه الخطوات التسلسل التالي:
أولاً: فرز وفهرسة المعطيات الأدبية التراثية التي تغذي (الإسلامية) شعراً ونثراً ودراسة ونقداً.. إلى آخره.. لأن هذا الجهد سيضع بين أيدي الباحثين المادة التراثية الجاهزة لأغراض التحقيق والدراسة.
ثانياً: تحقيق النصوص والمقاطع المهمة التي لم تنل نصيبها الكافي من التحقيق والاهتمام.
ثالثاً: دراسة وتحليل الأعمال النثرية التي لم تنل اهتماماً كافياً. فإذا كان الشعر في بعض مراحله قد لقي اهتماماً كهذا، فإن أعمالاً مثل بعض مؤلفات الجاحظ أو التوحيدي، ونصوصاً إبداعية مثل مقامات الحريري أو الهمذاني أو ألف ليلة وليلة، أو بعض السير الشعبية.. إلى آخره.. تنتظر من يعكف على دراستها في ضوء الإسلامية لمعرفة ما يمكن أن تقدّمه في هذا المجال، لاسيما وأنها تعكس بعداً اجتماعياً لم تكد تمسّه البحوث التاريخية إلاّ لماماً.
رابعاً: متابعة السياق النقدي لتراثنا الأدبي والتأشير على مدى ارتباطه أوانفصاله عن الإسلامية.
خامساً: فحص طبيعة العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبين الأعمال الأدبية التراثية.
سادساً: إقامة ندوات وفتح ملفّات خاصة في عدد من المجلات المتخصصة لمعالجة هذه الظاهرة أو تلك في تراثنا الأدبي من مثل: “التراث الأدبي الصوفي وصلته بالإسلامية سلباً وإيجاباً” و”علاقات الأخذ والعطاء بين التراث الأدبي العربي وآداب الأمم الأخرى” و”إمكانات توظيف التراث في أنشطة الأدب الإسلامي المعاصر” و”مناهج المستشرقين في دراسة التراث الأدبي العربي” و”السيرة الذاتية في تراثنا الأدبي” و”مناهج تدريس التراث الأدبي في جامعاتنا ” و”بلورة وبناء منهج إسلامي في دراسة تاريخ الأدب” و”المرأة في تراثنا الأدبي”. و”ملامح المجتمع المسلم في تراثنا الأدبي” و”التراث الأدبي والسلطة”. و”الثابت والمتحول في التراث الأدبي”.. إلى آخره. إن التجذّر في التراث ليس ترفاً أو اختياراً ولكنه قدر كل فاعلية ثقافية تسعى لأن يكون لها مكان في العالم وثقل على خرائطه من خلال تشبثّها بالشخصية المتفردة والملامح ذات الخصوصية، ولن يكون هذا بدون الامتداد صوب البعد التاريخي، أو العمق التراثي للتحصّن به والاهتداء بمعطياته، جنباً إلى جنب مع الأصول العقدية التي تشكل قاعدة العمل الأساسية، وبوصلة الانطلاق في بحار الدنيا.
أ. د. عماد الدين خليل