افتتاحية العدد 410 – أي نهضة للأمة من غير قيمها الإسلامية!؟


شكلت القيم الإسلامية لأمتنا ولا زالت جهاز المناعة المتين لحماية صرح الأمة والدين ، وما رفع المصلحون شعارا للإصلاح ولا وضعوا خططا للإقلاع والنجاح إلا وجعلوا القيم الإسلامية والتاريخية واللغوية للأمة هي الأساس والمفتاح ، وما ولج المجاهدون في التاريخ ساحات الكفاح، ولا حمل الوطنيون في زمن الاستعمار السلاح، وما استرخصوا من الأموال والأرواح، وما أطلقوا الغيورون ألسنتهم الفصيحة ولا أسس أخيار الأمة وفضلاؤها المشاريع الطموحة ولا أعمل الساسة الشرفاء والعلماء الربانيون آراءهم الصحيحة واجتهاداتهم الرشيدة النصيحة إلا بقصد إحياء الأمة انطلاقا من مقوماتها القيمية وخصوصياتها التاريخية وثوابتها الدينية. واليوم وبعد ردح من الزمن على انطلاق قاطرة البناء بعد الاستقلال لوحظ تراجع خطير ونكوص كبير عن قيمنا الإسلامية النبيلة، واكتسحت ساحاتنا الفارغة من أسودها كل السلوكات العليلة وارتكست البلاد في عالم الفضيحة والرذيلة فوقعت الأمة في التخلف المقيت تتجرع مرارته مهينة ذليلة!! فإذا نظرت في المجال الاقتصادي وجدت الجشع والاحتيال والنصب والربا تمحق بركة المال وتذهب بعقول وأحلام الرجال. وإذا عرجت على الإعلام ألفيته وكأنه لا رسالة له إلا تسويق الفاحشة الهاتكة للأعراض الناشرة لكل الأمراض من غير نكير ولا اعتراض بل في تسابق محموم لإيقاظ الغرائز والشهوات وإثارة الشكوك والشبهات في كل ما يتعلق بالمقومات والخصوصيات .
وإذا وليت وجهك شطر التعليم ومدارسه، ونظرت في أحوال مناهجه وحصيلة نواتجه، لراعك حجم الخسارة وبعد الشقة بيننا وبين من تسلق بالأمس القريب سلم الرقي والحضارة، وكم دقت نواقيس الّإنذار وكم شمر القوم على البِدار والاستعجال لإنقاذ ما تبقى من الأحوال فما زادوا الوضع غير تخسير ولا الأموال غير تبديد وتبذير!! إن أغلب مظاهر الخلل وأغلب مواطن الزلل التي لحقت أمتنا وعاقت نهضتنا راجعة إلى أننا تنكبنا الطرق الصحيح للإصلاح، فاستوردنا من غيرنا ما ليس حقه الاستيراد وأغفلنا تربية الإنسان وإقامة العمران بميزان القرآن وغفلنا عن الانطلاق من الذات ومن استثمار ما لها من إمكانات ثقافية وتاريخية هائلة، وما تزخر به من قيم أخلاقية فاضلة. إن قطار الإصلاح متى انطلق الانطلاق المقبول شرعا وعقلا أثمر الصلاح والرشد قولا وفعلا، وأثمر الخير سهلا وجبلا، إننا بحاجة عاجلة إلى الكف عما يعوق نهضتنا والتوبة مما اقترفنا في حق أمتنا، والإسراع بالعودة إلى الاعتزاز بثروتنا البشرية وطاقاتنا الإنسانية والافتخار بقيمنا الإسلامية والاعتزاز بهويتنا التاريخية والحضارية لوصل الأبناء بالآباء والأحفاد بالأجداد وتحقيق الامتداد في الزمان والمكان. إننا بحاجة إلى جعل القيم الإسلامية هي محور العملية التربوية والإعلامية والاقتصادية ومحو الممارسة السياسية والإصلاحات الاجتماعية، فلا وجود لأي بنيان وعمران قبل بناء الإنسان ، ولا أفضل ولا أنجع في بناء الإنسان من قيم القرآن وموازين الحق والفرقان، ولا نهضة لهذه الأمة الإسلامية من غير الارتكاز على منطلقاتها الإيمانية وثوابتها الحضارية التي قامت على هدايات القرآن الكريم الذي به دخلت التاريخ وبه تسلقت مدارج الرقي السليم، وبإهمال كتاب الله تعالى أخرجت من التاريخ ، ولن تعود إلى الفاعلية الحضارية العالمية إلا بعودتها الصحيحة إلى تصحيح تصوراتها وتصرفاتها وفق هذه الهدايات القرآنية والموازين الشرعية، وصدق الله العظيم إذ يقول: {إنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً}(الإسراء : 9).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>