عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار))(متفق عليه). ما أروع الحياة في رحاب المتحابين في الله، وقد منّ الله على بها قبل أن يبْقُل وجهي بالسواد، عشت الأيام التي أرجو ذخرها عند الله مع المحتابين في الله من أبناء المساجد وفرسان الدعوة السابقين، وبذور الصحوة الأولين فكان أول حب طرق قلوبنا حب الله، وأول همّ ملأ نفوسنا دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعشنا في دفء الأخوة في الله نتذوق عسيلة الإيمان، الإيمان الذي أثمر فينا عبادة الحب والشوق والإٍقبال، لا عبادة المراسم والقوالب والأشكال. يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى : فيا لها من حلاوة ما ألذها! وحَالة ما أشْرَفَها! فنسأل الله أن يمن بدوامها وكمالها، كما من بابتدائها وحصولها، فإن المؤمن عند تذكر تلك النعم والمنن لا يخلو عن إدراك تلك الحلاوة، غير أن المومنين في تمكنها وداومها متفاوتون، وما منهم إلا وله منها شرب معلوم. ثم قال : فمحبة المومنين من العبادات التي لابد فيها من الإخلاص في حسن النيات(1).
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : والحب في الله من ثمرات حب الله، وحب الله الذي يثمر نعمة الحب في الله هو كما وصفه الجنيد رحمه الله تعالى فقد قال أبو بكر الكتاني جرت مسألة في المحبة… فتكلم الشيوخ فيها و كان الجنيد أصغرهم سناً، فقالوا : هات ما عندك يا عراقي، فأطرق رأسه ودمعت عيناه، ثم قال : عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله، فبكى الشيوخ وقالوا : ما على هذا مزيد، جزاك الله يا تاج العارفين(2). وإذا ادعى العبد حب الله ابتلاه الله، قال أبو سليمان الدراني رحمه الله تعالى : لما ادعت القلوب محبة الله أنزل الله لها محنة {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.
فمحبة الله ورسوله هي كما وصف ابن القيم رحمه الله تعالى فقال : وهي المنزلة التي تنافس فيها المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى عملها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العايدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عَدِمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام(3).
ذ. عبد الحميد صدوق
—– 1- المفهم : 215/1.
2- تهذيب مدارج السالكين ص 482.
3- المصدر السابق.