أسماء الله الحسنى دلالات ومقاصد1 – اسم الله الفتاح


مقدمة:

إن معرفة الله تعالى التامة لا تتم إلا من خلال كتابه وأسمائه الحسنى التي سمى بها نفسه وصفاته العلى التي وصف بها نفسه ثم من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبالنظر في مخلوقاته التي خلقها وتدبيره لشؤون الكون كله تدبيرا محكما حكيما فكل ذلك دال عليه ومعرف به عز وجل . إن كل اسم من أسماء الله الحسنى ورد ذكره في القرآن أو في السنة اسم مدح وحمد وثناء وتمجيد لله وصفاته كمال ونعوت جلال الله وأفعال حكمة ورحمة وعدل منه وهي روح الإيمان وأصله وغايته تزيده يقينا ومحبة لله وقربا منه تعالى وتخلقا بكل اسم ومن ذلك : الرحيم فيكون رحيما بالخلق ، الكريم فيكون كريما معطاءا غير بخيل على نفسه ولا على الناس . امتدح الله نفسه بأسمائه الحسنى في كتابه فقال {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى}(سورة طه ) وجاء في الحديث الصحيح : ((إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة)) وأحصاها تعني فهِم معانيَها وتخلَّق بها وذكرَها ودعا بها, أسماء الله الحسنى ليست محصورة العدد فقد ورد بعضها في الكتاب و السنة و هناك غيرها لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم : ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك)) ولا يجوز إعمال القياس فيها أو الاشتقاق اللغوي بل هي توقيفية ومن ذلك مثلا لا نقول يا سخي، ويا عاقل، ويجوز التوسل بها لقوله تعالى : {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} ومن ذلك قولك : يا رحمان ارحمني، ويا جبار اجبرني، ويا عليم علمني، ويا غفار اغفر لي، وهكذا, وهي بالغة الحسن اسما ومعنى وقد سماها الله تعالى بالحسنى لحسنها وجــمالها وخصوصية تعلقها بالله تعالى وحده.

اسم الله الفتاح:

الفتاح من الفتح نقيض الإغلاق والفتح النصر واستفتحت اس4تنصرت والفتح الحكم والقضاء بين الناس وقد ورد اسم الله الفتاح مرة واحدة في قوله عز وجل: {قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم}(سبأ : 26) والمعنى في حق الله تعالى : هو الحاكم الذي يحكم بين عباده بالحق ويفتح لهم أبواب الرزق والرحمة وهو ناصرهم على أعدائهم الفاصل فيما بينهم فيما اختلفوا فيه {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين}( الأعراف : 89). وخير الفاتحين أي خير الحاكمين فهو العادل الذي لا يظلم والذي يظهر المظلوم وصدقه ويفضح الظالم وكذبه وافتراءه وما ذهب إليه من باطل أيا كان نوعه. الفتح اسم من أسماء يوم القيامة وهو يوم الحكم بين العباد كافرهم ومؤمنهم فريق إلى الجنة وفريق إلى النار {قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون} (السجدة : 29 ) ثم هو عز وجل يفتح لعباده جميع أبواب الأرزاق {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها}(فاطر : 2) وهي راجعة عليهم بالخيرات في حياتهم فهو الرزاق الموصل لها لهم حيث كانوا مستقرين أو متنقلين {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}(هود : 6) يفتح من خزائنه التي لا تنفذ وهو الجواد المنان يفتح منها ما شاء من بركات وخيرات وإلى يوم البعث. ثم هو عز وجل يفتح بلطفه وتوفيقه بصائر الصادقين فيرون الحق حقا والباطل باطلا فييسر لهم بذلك طرق الطاعات ويهديهم إليها إلهاما بحوله وقوته وليس بغيرهما {وما توفيقي إلا بالله}(هود : 88) ومن ذلك الفتح على من شاء بحفظ القرآن وتجويده وتفسيره و تعليمه وتدريسه، ومنهم من يفتح عليه بصوم التطوع ومزيد من نوافل الصلاة بالليل والنهار, ومنهم من يفتح الله له بمكارم الأخلاق كرما وجودا وإيثارا وعفوا وحلما وبرا بالوالدين وصلة للأرحام وتنفيسا للكرب وصبرا على الأذى، ومنهم من يفتح الله له في الصلح بين الناس، وآخرون يفتح لهم في العلوم المختلفة في الشريعة من فقه وتفسير لكتابه وشرحا لأحاديث نبيه وعلوم الدنيا من رياضيات وفيزياء وعلوم البحار والأفلاك والطب وغيرها كثير.

إن الفتاح لا يفتح بفتوحاته الربانية إلا بأسباب نذكر منها:

التوكل عليه واللجوء إليه ودعاؤه والطلب منه فهو عز وجل الفتاح الذي لا يفتح غيره ، ويتوجب الصبر والإخلاص في الطلب نية وقصدا {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}(الطلاق : 3) والفتاح يفتح على من شاء من عباده من حيث لا يدري ولا يحتسب فقد يكره العبد ما يحدث له ويجأر إلى ربه وينسى الفتاح وحكمته {فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}(النساء : 19) وقصص القرآن تحكي بعض حكم الله في سننه مع خير خلقه من الأنبياء والرسل، فهذا نبي الله يوسف سجن تسع سنين وكان سجنه فتحا عليه إذ أصبح مسؤولا عن الخزائن المتصرف فيها وحده وكان فتحا على أسرته بل على أهل مصر الجوعى وسببا في الصلح بينه وبين إخـوته. لقد ترك إبراهيم الخليل زوجته وابنه الرضيع في مكان قفر لا ماء فيه ولا زرع ففتح الله عز وجل عليهم بماء زمزم يشرب منه الحجاج وغيرهم إلى يوم القيامة. إن الفتاح يعامل عباده المؤمنين بسنة جارية إلى يوم البعث {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}(الطلاق : 3) ومعالم فتحه عز وجل على خلقه وآثارها على الناس معلومة مستمرة، فكم من مريض عافاه، وكم من فقير أغناه، وكم من ضال هداه، وكم من عاص تاب عليه، وكم من مكروب نفس عنه، ولله الحمد والمنة.

ذ . علي علمي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>