عبرة


391 عبرة

ذ. منير مغراوي

نسج عطاء السلمي ثوبا فأحكمه وحسّنه، ثم حمله إلى السوق، فعرضه فاسترخصه البزّاز (الخياط)، وقال : إن فيه عيوبا كيت وكيت فأخذه عطاء وجلس يبكي بكاء شديدا، فندِم الرجل على ذلك، وجعل يعتذر إليه، ويبذل له في ثمنه ما يريد، فقال عطاء : (ليس ذلك ما تظن، إنما أنا عامل في هذه الصناعة وقد اجتهدت في إصلاح هذا الثوب، وتحسينه حتى لا يوجد به عيب، فلما عرض على البصير بعيوبه أظهر فيه عيوبا كنت عنها غافلا، فكيف أعمالنا هذه إذا عرضت غدا على الله سبحانه؟ كم يبدو فيها من العيوب والنقصان)؟.

 

الإعجاب بالعمل محبط للأجر، والاغترار بالطاعة موجب للهجر، فمتى نظر العبد إلى عمله بإعجاب، فاعلم أنه محجوب عن الوصول، بعيد عن نيل المأمول، واسمع معي أخي قول الله عز وجل : {والذين يوتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} عملوا من الطاعات، وعكفوا على القربات، وخافوا ألا تقبل منهم، تلك سيماء المؤمن حقا، لا يعجب بعمل صالح، ولا يركن إلى طاعة، بل يرى أن المنة لله تعالى إذ وفقه للعمل الصالح ويسّر له الطاعة، وكم من محروم سدت عليه أبواب الطاعات، وقد ورد في الإسرائيليات أن داود عليه السلام قام من الليل، فوجد ثلاثمائة نفس من عقبه يقومون الليل، فأعجبه ذلك، وقال : يارب ثلاثمائة نفس من عقبي يقومون الليل. فأوحى الله إليه : يا داود من أيقظهم وترك غيرهم، فاستحيا داود عليه السلام.

فإذا يسر الله لك عملا صالحا، وأعانك على الطاعة، فاحمد الله عز وجل، واسأله دوام التوفيق والعون، واعترف بالتقصير، فإنما المُوّفّق من وفقه الله، والمُعان من أعانه الله سبحانه، فاللهم يسر لنا سبل الطاعة، وألزمنا أعتابك، ولا تبرح بنا عن بابك.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>