عنوان أطروحة جامعية للدكتور امحمد العمراوي
نوقشت برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس بتاريخ 10 محرم الحرام الموافق 14/11/2013، أطروحة دكتوراه تقدم بها الطالب الباحث امحمد العمراوي، في موضوع: البيان والتأصيل لمختصر الشيخ خليل: الزكاة والصوم والاعتكاف والحج
وقد تكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة: الدكتور عبد الرحمن حسي رئيسا – الدكتور عبد الله الهلالي مشرفا ومقررا – الدكتور محمد التاويل عضوا – الدكتور حسن الزين فيلالي عضوا – الدكتور عبد الله غازيوي عضوا، وبعد المناقشة والمداولة قررت اللجنة العلمية الطالب ميزة مشرف جدا مع التوصية بالطبع.
فهنيئا للدكتور امحمد العمراوي بهذا الإنجاز العلمي ونسأل الله العلي القدير أن يكلل مسيرته العلمية بالنجاح والتوفيق لما فيه خدمة الأمة.
وفي ما يلي ملخص التقرير الذي تقدم به أمام اللجنة العلمية:
يشرفني أن أحضر أمام هذه اللجنة العلمية الموقرة، لأقدم بين يديها تقريرا موجزا عن أطروحتي الجامعية في موضوع: ((البيان والتأصيل لمختصر الشيخ خليل: الزكاة والصوم والاعتكاف والحج((
لقد بذل الفقهاء المسلمون من زمن الصحب الكرام رضي الله عنهم وإلى اليوم جهودا كبيرة، وأنفقوا أعمارا نفيسة، وأوقاتا ثمينة في خدمة هذا الفقه تأسيسا واستنباطا، وتأصيلا وتفريعا، ودراسة وتدريسا.
والمؤكد أن هذا الفقه عرف تحولات منهجية كبيرة، في محطات تاريخية عديدة، فكانت المرحلة الأولى في زمن الصحب الأكرمين رضي الله عنهم، فقد نزلت بهم نوازل، كان لا بد فيها من اجتهاد، فاتفقوا في أمور، واختلفوا في أخرى، تبعا لقواعد الشريعة وأصولها، كما يفهمها هذا الصحابي أو ذاك، ثم تلا ذلك عصر التابعين، فلم تتغير فيه الأحوال كثيرا، ثم جاء عصر الأئمة المشهورين، فبدأت الأمور الفقهية تأخذ منحى جديدا، تمثل في ظهور مدارس فقهية مختلفة، ومناهجَ استنباط متعددة، وبدأ تدوين القواعد المنهجية لاستنباط الأحكام، واجتهد العلماء في التأليف والتصنيف، من أجل بث علم هؤلاء الأئمة، لكن سرعان ما دخل الجدال والحجاج مجالسَ الدرس، وكتبَ الفقه، وبدأ التأليف ينحو منحى المناصرة والمناظرة بإظهار الحجج والأدلة لنصرة هذا القول أو ذاك، بقواعد العلم، وأصول الحجاج، ثم بعد مدة من الزمن جاءت مرحلة الاختصار، وكان الهدف منها تيسيرَ حفظ المسائل، وتسهيلَ استحضار الجزئيات التي يكثر وقوعها والسؤال عنها، وهو ضرب من التأليف، ونوع من التصنيف، رضيه العلماء، واستحسنه الفقهاء، لكن بعض الناس خفيت عليهم بعض أصول مسائله، وأدلة فروعه، فتسرعوا في رفضه وإنكاره، وقد رد هذا الإنكار العلامة بن مناد فيما نقله عنه البرزلي في الفتاوى فقال: ((والعلماء في موضوعاتهم الشرعية على ثلاثة مقاصد، منهم من ألف كتابه في الحديث خاصة ضبطا للسنة كمسلم، وابن أبي شيبة في مسنده، وعبد الله بن وهب، وأبي داود، والنسائي وابن راهويه والبزار والآجُرِّي وابن مَخْلَد وغيرهم.
ومنهم من جمع بين الحديث والفقه، فيذكر الحديث أول الكتاب ويبني عليه الفقه كحَمَّاد بن سلمة ومالك بن أنس في موطئه والشافعي والحنفي والبخاري وأصحاب المصنفات كابن أبي شيبة في مصنفه وابن المنذر وغيرهم.
ومنهم من يذكر الفقهَ خاصة مجردا عن الأحاديث كالنووي والقُدُورِي وإسماعيل القاضي وابن عبد الحكم والقَعْنَبي وابن أبي زيد والمُزَني وابن الجلاَّب والعُتْبي، وربما قدم بعضهم الحديث ويذكر أصل الباب وهو قليل، ولم يروا ذلك غريبا، ولا من غير الشرع، وكلهم على هدى وصراط مستقيم.
ثم قال: وقد ألف بعضهم ردا على مسائل الفقه الفروعية في فرضهم المسائل، وقولهم: أرأيت كذا المسألة، ويرى أن هذه الفروع ليست من الشرع، وأنها غير مُخَرَّجَةٍ من الكتاب والسنة، لمّا تجردت عن الأدلة، أو خفي عليه دليلها أو بعضها، وكلامنا إنما هو مع من له ذوق من العلم ومعرفة شيء من الفقه، فأما من لم يذق فإنما هو جاهل لا يعرج على قوله، ولا يُلتفت إلى رأيه؛ لأنه إذا أخذها مسألة مسألة ما يجد منها شيئا يخرج عن أصل شرعي، وقد لا يظهر في قليل من مسائلها عنده دليل فيكون قد خفِيَ عليه، وهذا معلوم عند أهل الحديث، والعلم، ومن تلاهم من المتأخرين الناظرين نظرهم والتابعين إثرهم(( انتهى كلامه. (فتاوى البرزلي 6/372 ـ 373
ثم إن هذا الفقه الإسلامي عموما -والمالكي خصوصا- عرف حالات مد وجزر في مراحل تاريخية مختلفة وتعرض لمتاعب شديدة، ومحن عديدة، منها محنته القاسية على يد العبيديين الشيعة في القيروان، الذين منعوا تدريسه ودراسته، ونكلوا بعلمائه وطلبته، إلى درجة أن ابن خيرون قتل رفسا بالأرجل، ومنها محنته على يد بعض أمراء الموحدين الذين أحرقوا كتبه، وأبعدوا حملته، ومن ذلك ما يتعرض له اليوم من محن مختلفة، منها ادعاء أنه لم يبن على أساس متين، من أدلة الشرع وقواعد الدين، وعلى رأسها كتاب الله وسنة النبي الأمين، صلى الله عليه وسلم، وليس الأمر كما ظن هؤلاء، فإن الفروع والمسائل ثمرة أصول الشريعة، وخلاصة النظر فيها، قال ابن مناد رحمه الله: اعلم أن مسائل الفقه المشهورةَ بالفروع عند العلماء ثمرةُ أصول الشريعة التي هي الكتاب والسنة وإجماع الأمة والقيامُ عليها، منها استنبطت وعليها تفرعت، ذكر ذلكجملة من العلماء، وهو فائدة قوله عليه الصلاة والسلام: رب مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه(( انتهى كلامه. (فتاوى البرزلي 6/370)
ويظهر لي -والله أعلم- أن الفقه يحتاج اليوم، خصوصا بعد أن كلت الهمم، وضعفت العزائم، إلى تحبيبه للناس وترغيبهم فيه، وذلك ببيان حقائقه الرائعة، وعرضها في صورة جميلة، وحلة بهية، من أسلوب شيق، وعنونة للقضايا، واستدلال للمسائل، وربط للأصول بالفروع، وما إلى ذلك مما يبين محاسنه للسامع، ويجلي حقائقه للدارس والمطالع، وهذا البحث الذي وفقني الله عز وجل للقيام به يأتي في هذا السياق.
وقد قسمته إلى قسمين:
القسم الأول في الدراسة، واشتمل على فصلين:
فصل أول تمهيدي، وتحدثت فيه عن دوافع اختياري لهذا الموضوع، وعلاقتي بالمختصر الخليلي، والحاجة إلى الاستدلال.
والفصل الثاني خصصته للحديث عن المؤلِّف والمؤلَّف.
المؤلف من حيث ترجمته من كل جوانبها، وبكل تجلياتها، والمؤلف من حيث قيمته ومميزاته وشروحه وما قيل فيه،
وأما القسم الثاني التطبيقي وهو الذي تعاملت فيه مباشرة مع ألفاظ المختصر تقعيدا وتأصيلا، فقسمته إلى أربعة كتب تبعا لتقسيم المؤلف رحمه الله، ثم قسمت كل كتاب إلى فصول ومباحث قد تقل أو تكثر، وقد تطول أو تقصر، تبعا للأصل.
وإن هذا البحث وصل بتوفيق الله تعالى، إلى خلاصات أزعم أنها طيبة، جاءت على الشكل التالي:
أولا: الخلاصات
يمكن للناظر في هذا العمل أن يخلص إلى ما يلي:
1. أن فقهاء الأمة وفقهاءُ المالكية جزء مهم منهم- لم يكونوا واضعي فقه، وإنما كانوا مستنبطي أحكام بقواعد منضبطة، وآليات محكمة.
2. أن هذا العمل يجيب عن عدد من الأسئلة والقضايا الفقهية المعاصرة في الزكاة والصوم والحج.
3. أنه خطوة في اتجاه إعادة ثقة الباحثين بالفقه الإسلامي عموما والمالكي خصوصا.
4. أن هذا البحث يرد شبه الزاعمين بأن الفقه مجرد فهوم، وذلك بربطه بين تلك الفهوم والوحي الذي استنبطت منه.
ثانيا: النتائج:
من النتائج التي وصل إليها البحث بحمد الله تعالى وتوفيقه ما يلي:
1. بيان قدم الشيخ خليل رحمه الله الراسخة في العلم، ومكانتِه الرفيعة عند العلماء.
2. بيان أهمية المختصر ومنزلتِه التي لا تضاهى في المذهب، فهو الثالث بعد الموطأ والمدونة.
3. بيان الانتشار الواسع للمختصر في الآفاق، وتغلغله في العقل الجمعي للمجتمع.
4. وضعُ تكشيف علمي لأكثر من ثلاثمائة وألف مسألة فقهية.
5. جمع هذا البحث بين الفروع وأصولها، والأحكام وأدلتها، في أزيد من ثلاثمائة وألف مسألة.
6. جمع هذا البحث لأكثر من ثمانين وثلاثمائة قاعدة فقهية وأصولية، وتطبيقُها على فروع وجزئيات متعددة.
7. تشجيع الباحثين في المجال الفقهي من المتخصصين وعموم الناس على النظر في المختصر، والاستفادة من فروعه ومسائله.
8. إعانة الباحثين على الوصول إلى الجزئية الفقهية التي يبحثون عنها في لحظات معدودة وذلك بالرجوع إلى فهرس المسائل..
بارك الله في شيخنا سيدي امحمد العمراوي