إلى أن نلتــــــقي


 

الغش مرة أخرى !

 

د. عبد الرحيم الرحموني

 

أمْرُ الغِش أمْرٌ مُقلق ومزعجٌ، وما ظهر في مجتمع وانتشر إلا ودمَّر بنياته التحتية المعنوية التي يقوم عليها في بناء غده ومستقبله، وخاصة إن كان هذا الغش في مجالٍ حيوي مثل مجال الصناعة والتجارة، أو في مجال أكثر خطورة مثل مجال التربية والتعليم.

قبل أسابيع نظمت وزارة التربية الوطنية مباراة لولوج مراكز التكوين. وأولاً أقول إنه في تقديري فإن هذه المباراة، من حيث الشكل، متميزة من عدة جوانب:

فهي، أولاً، أولُ مباراة من نوعها تجري على المستوى الوطني ـ حسب ما أعلم ـ تُفتح أمام العموم دون مراعاة للميزات التي حصل عليها الطالب. وهو أمر مهم لأني كنت وما زلتُ أعتقد أن الميزات وحدها ليست دائما معيارا للحكم على مستوى الطالب، فكم من طالب لا ميزة له متفوق علميا على من له عدة ميزات. ولعل من أسباب الحصول على هذه الميزات التي تترجم المستوى الحقيقي لأصحابها، انتشار الغش في العديد من الامتحانات، مما يجعل شرائح من الطلبة تحصد عدة ميزات لا مبرر لها ولا أساس إلا اعتماد الغش منهجا في الامتحان.

ثم إن هذه المباراة، ثانيا، ضخمة من حيث العَدَد، ولذلك جُنِّد لها طاقم إداري وتربوي كبير، من أجل أن تمر المباراة وتَبعاتُها في ظروف جيدة، على الأقل وِفق ما أُعلن عنه.

لكن هل كان الأمر كذلك؟

لاَ بالطبع !

لقد تحدث المتبارون ـ والعُهْدَة على الراوي كما يقال، لكن كما يقال أيضا، لا دخان بدون نار ـ عن أن عددا من المراكز شابَها ما شابها من الغش الفاضح، حيث استعان العديد من المترشحين بهواتفهم المحمولة المرتبطة بالشابكة(الأنترنت) ليضعوا من خلالها أسئلة الامتحان على “العلامة گوگل” وليجيبهم هذا بسرعته الفائقة المعهودة عما سألوه، خاصة وأن الأسئلة الموضوعة أمَامَها خيارات لمعرفة الجواب المناسب. مما يجعل اقتناص الجواب الصحيح أمراً سهلا.

نعم، هكذا تحدث المتبارون الرافضون للغش، عن زملائهم الممارسين للغش في مباراة تؤهل رجال الغد في التربية والتعليم ببلادنا !

نعم، وهكذا عبَّد المراقبون الطريق أمام الغاشِّين، عن حُسن نية أو سوء نية، ليحصد هؤلاء النتائج الإيجابية كما حصدوا الميزات ظلما وبهتانا، وما درى هؤلاء ولا هؤلاء أنهم بهذا السلوك يجهِّزون نعوشا لضحايا التربية والتعليم ببلادنا، قد يكون أبناؤهم ممن يُحْمَلون عليها، وأنهم يحفرون نَفَقاً مظلماً لمستقبل البلاد والعباد.

ولذلك قلت في هذا العمود من عدد سابق، ينبغي أن يكون الغش في الواجهة، ونُعْلِن قولا وفعلا: من هنا نبدأ. لَا إصلاح للتعليم بدون تقويض أركان الغش.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>