كلمة الدكتور علي عمر بادحداح
الأمين العام لمشروع سهم النور الوقفي العالمي – السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وخاتم رسل الله نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، أيها الجمع الكريم أحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
من فاس الأصالة والعَراقة، من فاس العِلم والحضارة، من فاس التاريخ والتراث يلتئم هذا الجمع الكريم لغرض عظيم ومهمة شريفة تتصل بكتاب الله جلّ وعلا وتفعيل دوره الريّادي في الحياة الإسلامية والإنسانية، إدارة للفكر، وتزكية للنفس، ورسماً للتصوّر، وتقدّما في السلوك، ونهضة وتقدّما في الحضارة؛
إن الشرف السَّني الرفيع في القرآن الكريم {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}،
وإن الهداية الشاملة الوافية في القرآن الكريم {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}،
وإن العلاج النافع الناجع في القرآن الكريم {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة}.
إن محورية القرآن الكريم بالنسبة للإنسان والفرد المسلم قلبا وروحا وفكرا ونطقا وعملا هي أمر مُسلَّم في حياة الأمة الإسلامية، وكانت نموذجا فريدا صنعه النبي صلى الله عليه وسلم : الأوائل الذين أحيى بالقرآن قلوبهم وأنار أفكارهم وقوّم سلوكهم.
وإن محورية القرآن في الأمة كانت هي منصّة الحكم والتشريع وفيصل العدالة والقضاء، كما كانت أساس العلم والحضارة، وكما كانت كذلك قاعدة الانطلاق في العلاقات والمعاملات، وإننا في أمس الحاجة إلى العودة إلى محورية القرآن في هذه الأمة على مستوى الفرد والأمة.
وفي هذا المقام أتقدم بالشّكر الجزيل لمؤسسة البحوث والدراسات العلمية “مبدع” لأنها تُسهم في هذا الأمر العظيم وهذه المهمة الجليلة، إذ جمعت الباحثين في أول الأمر ليرصُدوا ويجمعوا ما قامت به الأمة من جهود في خدمة كتاب الله عز وجل في شتى المجالات، وها هي تنتقل اليوم للمعالجات التفصيلية خطوة بخطوة فتبدأ البداية الصحيحة بالنصّ وخدمته ومجال إخراجه، وحفظه، وتوثيقه، وأرشفته، وإدخاله إلى عالم التقنية، وتُعرّج على المصطلح لتؤسس وحدة الفكر والفهم والتفاعل والتفعيل لكل النص القرآني في واقع الحياة، وأحسِب أن “مبدع” لها من اسمها نصيب ولشيخها الشاهد من الشهود الحضاري القريب بإذن الله نصيب ظاهر كذلك.
إن هذه المسائل ترتبط اليوم بأمر آخر وهو التغير الكبير الذي يشهده عالمنا الإسلامي، ويرى فيه كل ذي بَصَر وبصيرة أن الإسلام قادم، وأن الجولة والمرحلة القادمة هي مرحلة تقَدّمِه وريادته لهذه البشرية كلها وليس للأمة الإسلامية وحدها؛
فإن جئنا إلى مستوى الأعداد والإحصاءات فإننا نرى تقدم الإسلام ظاهرا بنِسب وأرقام معلومة ليس هذا مقام ذكرها.
وإن جئنا إلى العودة إلى أصالة هذا الدين والتمثل به والتزامه فإننا نرى ذلك في أجيال كثيرة من أبناء أمتنا بحمد الله عز وجل،
وإن جئنا إلى تصحيح المناهج وتقويم المدارس فإننا نجد حركة قوية ونهضة ظاهرة في هذا الشأن،
وإن جئنا إلى عودة الإسلام إلى منصّة الحكم والفصل فإننا نجد تغيرا في هذا الشأن مازالت بشائره تتوالى بحمد الله سبحانه وتعالى؛
وإننا لندرك تماما أن الجسد بلا روح لا قيمة له ولا فائدة منه، والجسد بدون روحه إذا سَار في الظلماء يتخبّط ويتعثر؛ والحياة والنور في القرآن الكريم كما أخبر الحق سبحانه وتعالى {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء}.
وكما بين الله سبحانه وتعالى ذلك أيضاً في الجمع بين المعنيين في قوله {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس}، فحياتنا بالقرآن وانطلاقنا بنوره، ونحن كل يوم نرى معترَك الظلمة والنور مع نهاية كل ليل بهيم وسواد حالك، تبزغ خيوط الفجر، وتتسلل أضواء النور حتى تصبح في مرحلة بين مرحلتين، فإذا أشرقت الشمس ظهر النهارُ وبان، ولا يضره حينئذ سحابة عابرة فإن النور يبقى، ونحن في هذه المرحلة التي بدأت ملامحُ الضياء فيها ظاهرة، وقريباً ستشرق الشمس لتنير بهذا القرآن وبهذا الإسلام الحياة كلها.
لاشك أيها الإخوة أن البحث العلمي والمدارسة العميقة أساسٌ مهم وقاعدة للانطلاق تقوم بها في هذا المؤتمر مؤسسة “مبدع”، وتجمع لها هذه الوجوه الكريمة من العلماء والباحثين المتخصّصين ليكون من وراء ذلك تأسيس حقيقي لِلَبِنَات البناء الذي نرجو بإذن الله عز وجل أن نراه وقد أصبح شامخاً كاملاً يؤمّه الناس ويقصدونه وينتفعون به ويستنيرون بضيائه.
أشكر مؤسسة “مبدع” وأشكر أهل هذه البلدة الكريمة وأهل المغرب الكرام على دعوتهم واستضافتهم، وأسأل الله عز وجل لأعمال هذا المؤتمر النجاح والتوفيق، وللأحلام والآمال التي تُبنى عليه أن تتحول إلى واقع منظور في القريب العاجل.
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.