العدد400 __ د. فاطمة بوسلامة (*)
المقصود من تعريف القرآن للقرآن في هذا البحث هو اعتماد القرآن الكريم مصدرا لاستقاء المادة التعريفية للقرآن الكريم كما تفيده الدلالة اللغوية للجملة، ولا نستثني بذلك مصادر أخرى مثل السنة النبوية الشريفة لأنها غير مقصودة هنا.
والمقصود من تعريف القرآن للقرآن هو طلب حقيقة القرآن الكريم من القرآن الكريم نفسه ، وعلى لسان رب العزة الذي خصص حديثا طويلا عن هوية هذا القرآن وطبيعته وموضوعه ووظيفته والغاية منه وما إلى ذلك من بيانات يحتاج جمعها وبحثها إلى جهود كبيرة ومتواصلة، يكفينا منها هنا ما يدل لحضور هذا التعريف ويشهد بكفايته وقدرته على تحصيل المطلوب.
وعرف اسمه بأنه “قرآن” و”كتاب” و”فرقان” و”ذكر” : {وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّىَ يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ}(التوبة:6)، {وَاتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبّكَ} (الكهف:27 )، {إنّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (الحاقة:40 “التكوير:19(..
وعرف اسمه بأنه “قرآن “و”كتاب” و” فرقان “و”ذكر” : {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ}(يونس:37)، {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ}( البقرة:1)، {تَبَارَكَ الّذِي نَزّلَ الْفُرْقَانَ}(16الفرقان:1)، {إنَّا نحن نزّلنا الذِّكرَ وإنّا لهُ لَحافظونَ}(الحجر:9 ) …إلى غبر ذلك من التعريفات الواردة في القرآن الكريم.
…
وهذا التعريف القرآني هو بلا شك أوثق وأصدق وأدق وأشمل وأوضح التعريفات لأنه تعريف رب العالمين الذي أحاط علمه بكل شيء، وهو سبحانه المتكلم به {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً}(النساء:87)
….
ومن فوائده في القعلم خاصة أنه يكفل:
- الاغتراف من نبع صاف لم تكدره الشوائب المتنوعة ، فرؤية القرآن الكريم متعالية عن أي تأثير مذهبي أو طائفي أو واقعي..
-الاعتماد على أفضل المناهج الموصلة إلى المطلوب ، فإذا كان الغرض هو معرفة القرآن معرفة حقيقية لها أثرها وفعاليتها في العلم ، فإن أفضل الطرق إليها هو ما دل عليه القرآن الكريم.
-الانفتاح على آفاق واسعة ومتجددة في العلم والمعرفة باعتبار أن عطاء القرآن الكريم دائم وكلماته لا تنفد وعجائبه لا تنقضي.
- الرشد في القول والسداد في الرأي والعمق في النظر لأن الله سبحانه وتعالى أخبر أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ، ومن هدايته توفيقه إلى المعرفة الصحيحة والبيان الخاص الذي لا يهبه إلا لمن أدرك حقيقة القرآن مصداقا لقوله تعالى: {وَلِنُبَيّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (الأنعام:105).
- القدرة على دفع الشبهات ورد الأباطيل والتصدي للهجمات والجهاد بالقرآن امتثالا لقوله تعالى: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً}(الفرقان:52) ، فلا نجاهد بما لا نعرف ، ولا تُجدي في ذلك العواطف الجياشة وحدها ولا المحبة الخالصة للقرآن الكريم دون قدرة علمية عالية وتسلح بمنهجية قويمة.
- —–
-(*) أستاذة علوم القرآن بمؤسسة دار الحديث الحسنية- الرباط- المغرب.