العدد 400 __ د.عبد الله الطارقي(*)
كثيرًا ما نستعمل أسماءً لأطوار خلق الإنسان ونموه مما أغرقنا به الغربي من منتجات علم النفس (طفولة مبكرة، طفولة متوسطة…-إلى- مراهقة مبكرة، مراهقة متوسطة…) وتبع ذلك بالطبع استيراد نظرته لتلك الأطوار ومناهج التعامل معها وعلاج مشكلاتها فأصبحنا نقول: (أزمة المراهقة، أزمة منتصف العمر، أزمة الشيخوخة…). نفعل ذلك في الوقت الذي لو رجعنا للوحي لوجدنا فيه تسميةً لكل مرحلة عمرية، وتحديدًا لمنهجية التعامل معها الأمر الذي يومئ إلى أفق جدير بالعناية لبناء علوم نفسية تمتح من الوحي ومعارفه.
وتتجلى قضاياه التطبيقية فيما يلي:
أولاً: المصطلح القرآني يوفر الإجابات النادرة عن هذا الإنسان.
جهدت البشرية على اختلاف رؤاها وفلسفاتها في البحث عن حقيقة هذا الإنسان المعجز ورجعت بعد الجهد بلا جواب.
ومن هنا فإن خالق الإنسان سبحانه وتعالى هو الوحيد القادر على بيان حقيقته وكيف يطوره في أطوار خلقه.
ثانيًا: المصطلح القرآني يغلق بحث الانتخاب الطبيعي في أطوار خلق الإنسان
الإنسان خلق الله تعالى وليس ناتجًا للانتخاب الطبيعي، وهذه حقيقة تنهي في وضوحها ما ملأ به تشارلز دارون كتابه “أصل الأنواع” آذان الباحثين فأثر به على المشتغلين بعلم الأنثروبولوجيا – علم الإنسان-، والمشتغلين بعلم النفس فيما بعد بقضية بدء الإنسان والانتخاب الطبيعي، وحيوانية الإنسان، حتى حمل الغربيين لإعادة تشكيل أطوار عمر الإنسان وفق المنظور التطويري.
إن المصطلح القرآني يجزم بأطوار خلق الإنسان منذ كان ترابًا حتى تناسلت الذرية في أطوارها العمرية، قال تعالى {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}(نوح: 14) وليس في أطوار خلق الإنسان التي بيّنها الوحي المبين “معنى ارتقاء الكائن الحيواني وتحوله إلى الكائن الإنساني” بل هو إنسان مكرم من أول خلق أبينا آدم عليه السلام(1)
ثالثًا: المصطلح القرآني يصحح بناء علم النفس الإنساني من الحيوانية إلى الآدمية المكرمة.
المصطلح القرآني يجعل العلم بالنفس الإنسانية وأطوارها علمًا إنسانيًا نبويًا لأن البشر سلالة نبي الله آدم عليه السلام وهذا يعيد الدرس النفسي إلى الإنسان لا الحيوان. وهذا ينهي التلويث الكبير الذي تركته نظرية التطور الذي وصل للمدرسة التي هيمنت على علم النفس فترة طويلة وهي المدرسة السلوكية.
رابعا: المصطلح القرآني ينهي الخلاف الكبير في معيارية سن الرشد والتكليف الأمر الذي لا يزال الاضطراب فيه شأنًا علميًا إلى اليوم حيث كشفت منظمة اليونسيف – مؤخرًا - في تقريرها 2011 بالإعلان عن الفراغ العلمي الذي تجسد في عدم وجود معيار واحد مطبق دوليًا لسن الرشد والتكليف بالمهام(2).
خامسا: المصطلح القرآني يرتبط به زمرة من الحكم والغايات النفسية وغير النفسية.
وعليه فإن الباحثين في العلوم النفسية في العالم اليوم إذا استعملوا المصطلح القرآني لأطوار خلق الإنسان فإنهم يسيرون مع الفطرة والخلقة السوية فالبشرية كلها بحاجة لهذه الأسماء لأنها أكثر انسجامًا مع فطرهم” وللبداهة فإن من خَلق أعلم بالأسماء التي تليق بما خَلق، وليس أحد يزعم أنه هو من ينقل الإنسان عبر تلك الأطوار، فهو إذًا مدعو بالقوة للتحول إلى هذه الأسماء القرآنية بغض النظر عن كونه مسلمًا أو غير مسلم.
—-
(*) مدير الأبحاث والدراسات بمركز قراءات لبحوث ودراسات الشباب مكة المكرمة- السعودية.
1- الطيب بوعزة : مفهوم الإنسان في القرآن قراءة في كتاب مبدأ الإنسان مجلة دعوة الحق العدد ص 122.
2-تقرير اليونسيف، وضع الأطفال في العالم2011 تحت عنوان “المراهقة مرحلة الفرص ص10.