هل ننتظر أن يأتينا الإسلام من الغرب…؟ (1)


عبد الله العمراني

مناسبة هذا العنوان خبر قرأته في جريدة القدس العربي ضمن أخبارها المنوعة الخفيفة، تحت عنوان: “كوريا الجنوبية تفرض غرامة على التنانير القصيرة والتعري”.

فسرحت بعيدا أفكر في هذه المفارقات العجيبة، وأتأمل هذه المصادفات الغريبة، التي ما فتئت تطالعنا بها وسائل الإعلام من حين إلى آخر… لتؤكد لمن في قلبه مرض أن تعاليم ديننا هي الحل لكثير من المعضلات، وأن صلوحيتها تتجاوز الحدود  الجغرافية لبلاد المسلمين حاليا، والفئات البشرية المنتمية إلى الإسلام. لكن ما يبعث على التأمل -بل التألم- أكثر، ما أصبحت فئات من مجتمعات عالمنا العربي والإسلامي ترفع به عقيرتها من مخالفة لهذه التعاليم الدينية، وسير بعكس تشريعاتها وأخلاقها ومثلها وقيمها، بل مناصبتها العداء وكيْلها التهم والنقائص ونعتها بأقبح النعوت؛ محاولة منها لتبرير مواقفها التي لا تعني غير السعي إلى التملص منها والتحلل من تبعاتها وقيودها، الأمر الذي يجعل الإنسان يقف مشدوها مما يقرأ ويسمع، ويعلم من حال هؤلاء.

ففي الوقت الذي بدأت العديد من الدول والمجتمعات غير المسلمة وربما اللادينية  تأخذ ببعض تعاليم ديننا، وتسن لذلك القوانين والتشريعات للأخذ بما تراه مناسبا -فعلا أو تركا- لحل معضلات ومشاكل اجتماعية واقتصادية وتعليمية طارئة عندها، كما هو الحال بالنسبة لكوريا في قضية منع العري واللباس الفاضح، وبالنسبة لغيرها في قضايا مشابهة كفصل البنات عن البنين في الفصول الدراسية بأمريكا، والأخذ بالنظام المالي الإسلامي في عديد من الدول الأوربية، وغير ذلك من القضايا والأمثلة، في ذات الوقت نجد فئات نسوانية من مجتمعاتنا الإسلامية أخذت منحى خطيرا في هتك الستر المصون الذي صان الله به جسد المرأة وأنوثتها؛ صونا لكرامتها وشرفها وعفتها، وتجاوزت مجرد العري في الشوارع بدافع مسايرة العصر ومجاراة التقدم -على زعمهن- إلى ما هو أدهى وأمر !!  إلى فعل مقصود وعمل مبيت، في شكل أفضح وأعرى، يكون له أبشع الأثر، وأبلغ الخطر على البقية الباقية من الحياء في نفوس بنات مجتمعاتنا الإسلامية؛ لكونه يصدر عن فئة تحتل مواقع مؤثرة، أو لها (مكانة) أو تمثل (نخبة)…، وترى فيها كثيرات من بناتنا الأسوة والقدوة؛ في غياب أسوة حقيقية وقدوة ربانية، ولكونه يقع في أماكن وفضاءات ومنابر لها روادها المتميزون والمتفاعلون، كما حدث من بعض (الناشطات)؛ حينما خرج بعضهن في وقفات ومواقف احتجاجية عاريات بالكامل أو عاريات الصدور، وحينما شهر بعضهن الآخر تعريهن على صفحات الفايس بوك في سابقة خطيرة في مجتمعاتنا الإسلامية، وتفاوتت المطالب والأسباب الداعية إلى هذا التعري بين احتجاج على وضع سياسي، أو مناهضة لنظام ما، أو دفاعا عن حقوق مزعومة للمرأة، تتعدى الحقوق المشروعة إلى الاجتراء على محارم الله والمجاهرة بالإثم، أو طلبا للتمتع بحرية مطلقة لا حدود لها من شرع أو عرف وهلم جراً، وكلها مطالب التعري فيها أسلوب سمج ونمط غريب وسلوك دخيل؛ مما يجعل الاشتباه يحوم حول النوايا الحقيقية له، وهل هو غاية في حد ذاته أم مجرد وسيلة كما تدعي القائمات به؟؛ خاصة عندما يرفعن شعارات مثل: “جسدي ملكي ليس مصدر شرف لأحد” أو  “الحرية اختياري” أو ما أشبه من الشعارات المستوردة من بلدان ما وراء البحار والمحيطات؛ مما يجعلها تتخطى كونها “حركة احتجاجية” إلى شيء آخر لا يجد المتبصر كبير مشقة في الاهتداء إلى مقاصده ومراميه.. لكن يبقى التساؤل عما إذا كان هناك خيط ناظم لخرجات هؤلاء السفيهات مؤطر لها؟ أم أن الأمر وليد صدفة وتأثر وانتقال عدوى وانتشار (موضة) منحرفة لم يسلم من التأثر بها بلدنا المغرب؟؛ إذ انبرت غريرات  في ما أشبه حملة تضامنيةمع أخواتهن في السفه، وأنشأن صفحة على الفايس بوك ونشرن صورا عارية لهن، داعيات إلى مساندتهن في فكرتهن الشيطانية بإرسال صور على شاكلتهن، لكن الله سلم فلم تجد الفكرة صدى لها في النفوس ولم يُتجاوب معها. إلا أنه -مع انحسار هذه الظاهرة عندنا- كان لنا قصب السبق في اختراع مسوغات أخرى للتعري وتبريرات له تحت يافطة (التعبير الجسدي الفني) ومقتضيات الدراما والمشاهد في المسرح أو السينما ودور العروض الفنية، التي أصبح المرتادون لها غير متوقعين ما يمكن أن يحصل فجأة من خلع للباس الحشمة والتعري من الحياء بدعوى أن الإبداع والفن لا يجب أن يقيد بشيء من شريعة أو عرف أو أخلاق لكي يبلغا رسالتهما (النبيلة)، كما حدث ذات مرة في مسرح من المسارح التي ترعاها الدولة وتحتضنها وزارة الثقافة، حينما أقدمت إحدى (الفنانات) على خلع ملابسها -إلا لباس البحر- في عرض مسرحي قد يكون حضره آباء وأبناؤهموبناتهم وربما آباؤهم الأعلون أيضا.

وصلة بهذه النقطة وأنا أكتب هذه الأسطر استوقفني خبر قصير في جريدة مفاده أن ذات (الفنانة) “تهدد بالتعري بشكل كامل ” في جرأة غير معهودة؛ ردا على انتقادات تعرضت لها على إثر تعريها السابق، وعلى إثر النقاش الدائر حول ظاهرة التعري والمشاهد الساخنة التي أصبحت تؤثث العروض المسرحية والأفلام السينمائية والتي لم يقتصر فيها العري على النساء بل شمل الرجال أيضا، كما حدث في الفلم الذي توج بالجائزة الأولى في طنجة، وحظي بدعم كبير ماديا وأدبيا؛ على ما فيه من لقطات ساقطة وجرأة فاحشة،  مما يفيد أن ظاهرة العري والمشاهد الخليعة في هذا المجال تحظى برعاية، ويراد لها أن تصل مدى بعيداً الله أعلم بحجم كارثيته على أخلاقنا وهويتنا وقيمنا…، فاستغربت من كلمة (تهدد)، تهدد من؟!! شريعة الله وتعاليم دينه؟ أم القائمين عليها؟ أم هذا الشعب المتشبث بدينه وقيمهوتعاليمه، الذي يعطي بحضوره زخما لأعمالها (الفنية)؟، لكن عوض أن يجازى بأن يقدم له فن هادف وشائق، تحصل له الانتكاسة فيأسف على لحظات تصرمت منه في غير فائدة، ويدرك أن حيلة انطلت عليه حين دعي إلى عرض (فني) يواجه فيه بما تمجه الطباع السليمة والنفوس البريئة، بَلْهَ أن يرضاه الله ورسوله.

وأخيرا نأسف أن لا يأخذ هذه الفئة  الخجل مما هي عليه من انسلاخ عن الدين وتنكر لتعاليمه، في الوقت الذي نجد آخرين ممن لا يدينون به يقبلون على بعض هذه التعاليم؛ سواء عن وعي بأنها تعاليم دينية أو على اعتبارها نظما وقوانين صالحة لأن تكون منهاج حياة؛ على قاعدة (جلب المصالح ودرء المفاسد).

فلعل أن يكون في هذه البوادر الآتية من الغير صحوة لهؤلاء، فتدفعهم عادتهم في التقليد وما درجوا عليه في التبعية والمحاكاة إلى الاقتداء بهم فيما نصوصه التشريعية وأدلته القطعية وحي ربنا، ولسان حالهم يردد مع القائل:

هكذا نحن العرب…لا نومن حتى يومن الغرب

ليس حبا في ديننا… ولكن تقليدا للغرب

فهل ننتظر أن يأتينا الإسلام من الغرب؟

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>