الأمــل فـي حـيـاة الـمـســلـم


ذ. أحمد حسني

الإيمان بالله تعالى لا يحمل معه اليأس أبدا، إنه يحمل دائما الأمل، ذلك أن الله سبحانه هو الأمل الكبير، هو النور الذي يملأ الدنيا كلها بالرحمة والفرحة. نخطئ ونعصي وندعو يا رب فيستجيب، وكثيرا ما ننسى الله عندما تبتسم لنا الدنيا، ونبتعد عن الطريق المستقيم إلى الله، فيقرب منا الطريق، ويسهل لنا العودة إليه مرات كثيرة، ويقول سبحانه{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}(الزمر: 50). إنه سبحانه دائما مع التائب، ومع المظلوم، يمسح دموع الحزين، ويداوي جراح الحياة، ويفتح الأبواب المغلقة، وييسر كل أمر عسير، ولكننا أحيانا نفقد الأمل، لماذا؟ لأننا لا نعرف الخير من الشر، ونقول : يا رب، ولا يستجاب لنا، ونحسب هذا شرا، في حين أنه خير، ونحن لا ندري فقد نسيء الظن بعدم استجابته سبحانه إلى دعوانا، ولكننا لا نعرف.

في حياة كل فرد منا أمثلة كثيرة  على ذلك، كم من شيء سعينا إليه كثيرا ودعونا يا رب حتى يتحقق، وربما ملأت أعيننا الدموع لأنه لم يتم، ثم مرت الأيام وإذا بالأمور تتضح، والغيب يصبح واقعا، والشيء الذي كنا نتمناه إذا بنا نحمد الله تعالى لأنه لم يتم لأنه شر ومصيبة.

كل منا في حياته هذا المثل، كل منا عاش هذه التجربة، كل منا شهد هذا يحدث له وفي أقاربه وفي أصدقائه، فنحن بعقولنا المحدودة وقدراتنا الضعيفة عاجزون على أن نتبين الخير من الشر وقت حدوثه، عاجزون على أن نفهم معنى الأحداث، والله تعالى وحده يعلم أن الخير فيما حدث، ولو علمنا الغيب لاخترنا الواقع، ولذلك يجب أن يكون إيماننا بالله تعالى ذلك الإيمان المليء بالأمل، ذلك الإيمان الذي يفتح النفوس ويدخل الطمأنينة في القلوب، يجب علينا ألا نخاف أحدا، لأنه لا إله إلا الله. هذا ديننا، لا نافع ولا ضار إلا الله سبحانه. فمن الذي يمسح دموع الثكالى والأيتام؟ من الذي يسمع شكاوى المظلوم وهو ينادي وحيدا في ظلام الليل؟ من الذي يرسل شعاع النور وسط اليأس القاتل؟ من الذي نلتجئ إليه مئات المرات حين يضيع منا الأمل ونجد أنفسنا ضائعين وسط ضباب الحياة؟ حين يتخلى عنا كل شيء، فهو سبحانه دائما موجود، وحين يبتعد عنا الجميع فهو دائما قريب، وحين يتخلى عنا الأمل والرجاء فهو دائما مجيب. والله تعالى ضرب مثل الآمل في الرسالات السماوية، وأرانا كيف خرج من اليأس نور قوي أضاء الدنيا كلها. قال تعالى : {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا  جاءهم نصرنا فننجي من نشاء}(يوسف: 110).

والقرآن الكريم مليء بالدعوة إلى الأمل، ويعتبر اليأس نوعا من الضلالة. قال تعالى : {ومن  يقنط من رحمة ربه إلا الضالون}(الحجر: 56) {إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون}(يوسف : 87).

وهنا يصبح اليأس في مرتبة الكفر. وفي مواضع كثيرة كان كل شيء حول رسول الله(ص) يدعو إلى اليأس، وكان كل المحيط بالمسلمين يجعلهم في حالة يأس مريرة. قال تعالى : {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}(آل عمران : 173). وقال تعالى : {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}(الطلاق : 2). وقال الشاعر :

أعلل النفس بالآمال أرقبها  ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

إن أول الخطوات في الطريق إلى الله هي الأمل، الأمل في أن ما أصاب المسلمين اليوم من وهن يمكن أن ينتهي، يمكن أن ينمحي ويزول، إن الأمل هنا ليس معناه التمني، ولكن الأمل جزء هام من الإيمان.

إننا نعمل ونحن نؤمن أن الله تعالى معنا، الذي خلق الحياة، وهو مع كل إنسان في حياته، مع العصفور في عشه، مع الأسماك في أعماق المحيطات، معنا الله عز وجل إذا أخلصنا في إيماننا به.

إن علينا أن نمضي بقوة الإيمان فالخطوة الأولى التي يجب أن يبدأ كل فرد منا هي : قلب مليء بالأمل في الله، قلب مليء  بأمل الإيمان.

وليتذكر كل منا ما مر به من لحظات، ألم يحدث في يوم من الأيام أن كان يواجه ظروفا صعبة، لا تجدي معها كل الحسابات؟ ثم حدث شيء ما غير كل شيء، وإذا به يصبح – والحمد لله- وهو في أحسن حال. إننا لا نتدبر ولا نتعمق، فهناك أشياء كثيرة في حياتنا لا نستطيع أن نعرف معناها الحقيقي، ولا حكمة حدوثها وعدم حدوثها إلا بعد سنوات طويلة.

إننا أحيانا نرى الأمل يأسا، ونتصور الخير شرا، ولكن الذي يدعونا إلى سلوك الطريق إلى الله هو إيمان قوي يرفض تماما أن يستسلم لليأس. إيمان بأن الظلام لا يمكن أن يسود هذه الأرض، وأن صوت الحق يرتفع دائما فوق جميع الأصوات، إيمان بأننا إذا لم نشهد فجر أمتنا يبزغ من جديد، فسيشهده أبناؤنا وحفدتنا، المهم أنه سيحدث حتما، إيمان بإصرار بأن الله تعالى معنا ما دمنا نتبع أوامره، إيمان بقدرة الله تعالى, ومن هنا وبقلوب يملؤها نور الأمل، وبالإيمان الراسخ الذي لا يفتر أبدا، نستطيع أن نعمل الكثير، وأن نغير الكثير بصبرنا. وبشعلة الأمل التي لن تنطفئ أبدا فينا.

قال الشافعي رحمه الله:

صبرا جميلا ما أقرب الفرجا

من راقب الله في الأمور نجا

من صدق الله لم ينله أذى

ومن رجاه يكون حيث رجا

ثم {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الرعد : 12)

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>