منذ أسابيع تناقلت بعض الجرائد الفرنسية خبر شاب فرنسي طَرَدَه أبواه من البيت وأغلقا الباب دونه بسبب سلوك أخلاقي مشين.
يقول الخبر إنه بعد أن تأكد للأبوين أن ابنهما شاذ جنسيا لم يتردّدا في طرده من البيت، مع توجيه عبارات نقدية لاذعة له، تصفه بأنه دخيل على الإنسانية وغير منتم لبني البشر، فضلا عن أن يكون مواطنا سويا.
طبعاً، أفاضت عدد من الصحف في أبعاد القضية الخلقية والاجتماعية والقانونية، وتداعت منظمات تحمي هذا الانحراف وتدافع عنه، إلى استنكار هذا السلوك من جانب الأبوين، في حين تتبعت أخرى مسار الابن بعد أن ظل شريداً لأيام.
نعم، كل هذه التعليقات وغيرها يمكن أن تكون متوقعة بسبب طبيعة المجتمعات الغربية التي يعتقد كثير منا أن الانحراف قد غلب عليها، وأن ما يتعلق بالفطرة والأخلاق السوية لم يعد له وجود، وأن ما تنتجه وسائل الإعلام وتصنعه صنعا، عن طبيعة هذه المجتمعات هو الواقعي والحقيقي، وأن الحديث عن الأخلاق السوية والفطرة السليمة بات من حديث الماضي والتخلف والظلامية.
وشبيه بهذا ما حدث أيضا في إحدى المؤسسات التعليمية بالولايات المتحدة الأمريكية، حينما قدّمت مجموعة من التلاميذ شكوى إلى اللجنة التأديبية للمؤسسة، ضد مدرس مادة علوم الأحياء بسبب أخلاقي أيضا، لكنه سبب دون الأول بكثير، لأنه يتعلق باستعمال لفظة فقط، ثم إن اللفظة يتطلبها السياق العلمي للمادة موضوع الشرح، حيث كان الموضوع يتعلق بالجهاز التناسلي لدى الإنسان، ومن ثَمّ استعمل المدرس اللفظ المباشر للعضو التناسلي لدى المرأة.
هذا مع أن المدرس مشهود له بالكفاءة التربوية والاستقامة الخلقية لمدة تقارب العقدين من التدريس، ثم إنه فضلا عن ذلك سمح لكل تلميذ يشعر بالحرج ألا يحضر الحصة.
وبعد احتجاج التلاميذ توصل المدرس برسالة من وزارة التربية تتهمه فيها باستعمال ألفاظ غير أخلاقية أثناء التدريس. كما توقع رئيس اللجنة التأديبية إلى أن احتمال فصل المدرس عن عمله مستبعد، ولكن أكد أنه لابد، على الأقل، من توجيه توبيخ شديد أو إنذار قوي له.
وكما تنادت جمعيات للدفاع عن الشاب الفرنسي، تنادى أشخاص عبر صفحات التواصل الاجتماعي إلى الدفاع عن الأستاذ، حتى لا تكون الولايات المتحدة “مسخرة في العالم” حسب من كتبوه على هذه الصفحات، لكن الدعوة لم تلق استجابة تذكر.
لا يهمنا مصير الشخصين بقدر ما يهمنا الحدثان في حد ذاتهما، وخاصة الحدث الأخير.
ليس لشيء ولكن لأنه حَدَثَ في ديار تجتمع فيها حسب نظر الكثيرين، كل مقومات الديمقراطية والحداثة والتقدم، ومع ذلك مازالت أصوات الفطرة تنهض من هنا وهناك، مستنكرة كل ما يخدش الحياء، وتدعو إلى التمسك بمقومات الفطرة التي تحفظ على الإنسان إنسانيتهوتميزه عن البهيمية المتدنية التي بدأت تتفشى بشكل فظيع.
قد يقال إن شرائح عديدة من المجتمع الأمريكي محافظة بطبعها، ولذلك ليس غريبا أن تصدر عنها مثل هذه الردود من الأفعال، فنقول: إذن لماذا لم تمنع المحافظة هذا المجتمع من التقدم والازدهار.. ثم نقول أيضا:
ألسنا نحن أيضا مجتمعا محافظا؟ ألسنا مسلمين؟ ألا يدعو ديننا الحنيف إلى حفظ اللسان من الزلات والسقطات والهفوات، فضلاً عن فاحش الكلام وبذيء الألفاظ؟ ألا يدعو إلى التمسك بالأخلاق السامية والسلوكات الفاضلة قولا وفعلا، ظاهراً وباطنا؟ أليس لدينا عادات وتقاليد تحفظ علينا فطرتنا وأصالتنا؟ أليس لدينا كل ذلك؟ ومع ذلك نرى دعوات وسلوكات من قبيل :
- تحرير الجسد قبل تحرير العقل.
- التعري قولا وفعلا.
- استعمال الألفاظ والعبارات الساقطة في الشارع والمؤسسات.
- ربط علاقات إباحية دون أي ضابط شرعي أو قانوني.
- سبّ الملة والدين والرب.
- إزالة “الطابوهات” بمختلف أشكالها، ويجعلون في مقدمتها ما يتعلق بالعفة والحياء.
- الموت المدني بعد الزواج المدني…
واللائحة طويلة، ومن آخر صيحاتها أن الحديث عن الحلال والحرام تقييد للحريات الفردية!
ولو قُدّر لشخص أن يستنكر هذه السلوكات بَلْه أن يقدم احتجاجا، لاتُّهم بالجنُون والتخلف والتحجر وعدم مسايرة العصر ولجُعلت أقواله نكالاَ عليه.
فمتى تصبح العودة إلى الفطرة، وقبل ذلك الدعوة إليها أمراً مشروعاً بل ومُحبَّبا ومرغوبا، إن لم نقل واجبا ومفروضا.
إن الفطرة التي فطر الله عليها الناس هي التي تتكلم مهما بلغ الانحراف في المحيط مبلغه، وكلّما بقي سؤر منها في الإنسان إلا وطفح نزوعاً إلى الظهور والإعلان عن نفسه، وصدق الله تعالى في قوله: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لكلمات الله ذلك الدين القيم} وصدق رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: ((كل مولوديولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)).
فمتى يفقه بعض قومنا أن التمسك بمقومات الفطرة لا يناقض التقدم والديمقراطية؟