أوراق شاهدة


لنزرع ثمرة القرآن عوض اجتثاث الثمار الغريبة الرديئة

هو الارتكاس إلى حمأة الجاهلية الأكيدة ما أسلفنا الحديث فيه في الحلقة الماضية من أوراق شاهدة ونحن نتوقف عند حملة تعري نساء المسلمين. وما كان يفعله أجدادنا وآباؤنا أيام الاستعمار من تجمع بالمساجد لقراءة اللطيف أضحى مطلبا عاجلا أكثر من أي وقت مضى. وقد طفت على سطح المجتمع صور تدني أخلاقي مهول، صور تحضن كل سمات وبذور الارتداد إلى ما قبل الحضارة، أو ما سمي  في بلاد العرب بالعصر الجاهلي، حيث تعايشت كل مظاهر الانحطاط الإنساني. وكان من صورها المقيتة ذلك التفسخ الأخلاقي في أوضح  تجلياته المرتبطة بالمرأة حد الدفع إلى وأد البنات والتطير من البشارة بالأنثى.

وقد وصف الحق سبحانه معالم هذا التطير في إعجاز بياني عجيب وهو يجمع بين خبر يقرر فيه الحق سبحانه أن مجيء الأنثى إلىالدنيا هو بشارة، وفي المقابل ينقل لنا سبحانه ملامح الاستقبال التراجيدي للرجل الجاهلي لهذه الولادة إذ تكتسي ملامحه الغاضبة مسحة سواد ترافقها مشاعر استياء وحزن تطفو على محياه لوقت وفترة غير محدودة، في كناية عن هذا التطير البالغ والرفض القاطع لميلاد الأنثى. وما ذلك إلا لأنه كان يعتبر الأنثى مجلبة للعار وتدنيسا لشرف وكرامة العربي الجاهلي. وبصيغة الجاهليين، وكما يرددون فقد كانوا يمقتونها لأنها “لا تركب فرسا ولا تحمي بيضة”.

قال تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به  أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون}(النحل :  58- 59).

هو تفسخ جديد إذن بملامحه القديمة تدفع عربته إلى المجهول أيادي جلية ليس لها من الأمر شيء إذ هي مجرد جهاز تنفيذي لأشباح ظلامية تعمل على تقويض البنيان الإسلامي من القواعد باستفراغ القوةالداعمة الأولى للبنيان وهي المرأة من عناصر قوتها وإحالتها إلى مخلوق بهائمي تافه ينخر كيانه ويبدد طاقته في شواغل و صوارف هدامة ظاهرها التمكين للمرأة وتحفيز كفاءاتها، وباطنه سحبها البطيء من أدوارها الطلائعية والرسالية كما جاء بها دستور الانبعاث الحضاري الإسلامي : القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

وقد فصلنا في ظاهرة التعري التي تواصل غزو الدول العربية إلا أن ما هو أخطر مما ذكرناه في الحلقة الماضية، هو قيام شرذمة المتعريات مؤخرا بالوقوف أمام أحد المساجد الكبرى بفرنسا وهن عاريات الصدور، وتمزيقهن لراية التوحيد وإشعالهن  النار فيها وإعلانهن لبدء ما سمينه ” بالجهاد العربي العاري الصدر “ضد الإسلام، تخفيفا” لجهاد” الفتاة المصرية التي ظهرت عارية تماما والعياذ بالله. وقد أعلنت مجموعة من الحركات النسائية وقوى المجتمع العلماني الرافضة لتدبير الحكم الإسلامي رفضها لهذهالطرق الحيوانية في الاحتجاج لكن الاختلاف لا يفسد للعداء للإسلام قضية.

ومكمن القلق، هو الطريقة التصعيدية في الحرب على الإسلام، فقد وضعت متعريات أخريات كتبا دينية على عوراتهن معتبرات أن لا قداسة لكتب الدين ويعنين بها في المقام الأول  القرآن.. كما كتبن على صدورهن كلمات جنسية عدوانية جد مستفزة ضد الإسلام..

وما يدعو إلى قرع الجرس هو أن ظاهرة الاحتجاج عبر التعري التي تقودها حركة “فيمن” النسوانية لا النسائية تسري كالنار في الهشيم ببلاد المسلمين  رغم غرابتها وتناقضها المطلق مع صريح ومضمر النص القرآني والسنة النبوية، وللذكر فقد ظهرت هذه الحركة بجلاء في بلاد أوكرانيا كمظهر من مظاهر الاحتجاج النسائي نبتت في بيئة إلحادية صرفة تطفو على سطحها معالم الحكم الشيوعي للاتحاد السوفياتي سابقا، بما يعنيه هذا الوجود الجغرافي من استناد إلى إيديولوجية ومذهب يعتبر التحرر الجنسي وحقالمرأة في التصرف في جسدها كما تشاء خطا أحمر، فكيف تستنبت هذه الحركة بهذا التفسخ المناهض لقيم الحياء والستر والعفاف ببلاد المسلمين؟؟..

إن من يتوقف عند حركة “فيمن” في نسختها الأوكرانية يلاحظ أن مجمل تحركاتها في الشأن العام الأوكراني هي احتجاجية ضد كل ما تعتبره حيفا وميزا ضد المرأة في أوكرانيا خصوصا وفي العالم على وجه العموم، وقد اتخذت من تعرية الصدر طعما للفت النظر إلى القضايا النسوانية التي تناضل في سياقها، واضعة نفسها في تناقض فادح وهي تدافع عن حقو ق المرأة ضد التشييء والتسليع و ترهن في نفس الأن أجساد منخرطاتها  لتحريك غرائز الرجال في صعقة أولى ودفعهم إلى الاهتمام بقضاياهن في مرحلة ثانية.

فهل من الضروري أن نرى قشرة الموز أمام ناظرينا فنقف فوقها ونتزحلق بملء إرادتنا عليها تفاديا لتزحلق مباغث لا إرادة لنا فيه، تأسيا بما فعله أحمق، كما جاء في النكتة المغربيةالمعروفة؟؟.

من جهة أخرى تنتاب المرء حيرة ويستوطنه قلق  من تصرف مجموعة من الشيوخ، تستحوذ عليهم الرغبة الملحة في إصدار فتاوى هي أشبه بالمفرقعات القوية كلما تعلق الأمر بالمرأة، حيث  دعا البعض منهم إلى رجم المتعريات وأدلوا بتصريحات شديدة اللهجة في شأنهن الشيء الذي فاقم مظاهر التشتت والفرقة بين تيار يسمي نفسه بالعلماني الحداثي والتيار الإسلامي. فهل يا ترى أمام استحكام موجة التعري بالعالم العربي الإسلامي سيدعو هؤلاء السادة الأفاضل إلى إعدام الجميع؟؟

إن لهذه القابلية للتعري لدى نسائنا عوامل وأسبابا مترابطة لكن فقه الموازنة وفقه الواقع يجب أن يقودنا إلى التأني والحذر في إصدار الفتاوى حفاظا على ما تبقى من لحمة ونسيج اجتماعي غدا أكثر هشاشة من أي وقت مضى. وتحتاج أرض المسلمين إلى حرثها بأيدي علمائها وكل الصادقين من مواطنيها، لا الانكباب على حرث وزرع الأغيار في تربتنا لاجتثاث النبات الرديء فيه، فلا أسهل من الهدم ولا أعظم من ترميم الآيل للسقوط قبل البناء، خاصة ونحن بين أيدينا التصميم وخارطة البناء : كتاب الله عز وجل. أم ترانا سنظل كما قال الشاعر:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ     ***     والماء على ظهورها محمول

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>