أثبت التاريخ أن الإبداع الذي يخاصم الهوية ويتهجم على قيم المجتمع الذي ينتمي إليه… الناس بسرعة، وينمحي من ذاكرة الأمة ووجدانها في فترة قصيرة، حتى ولو بدا للحظة أنة يحظى بإعجاب الجمهور والنقاد، في حين أن الفن الأصيل الذي يحفر في وجدان الأمة يظل راسخا في ذاكرة الناس لفترة أطول حتى ولو حاربه أدعياء الحداثة والمنبهرون بكل ما هو هجين وخلاسي الأبعاد، تتذكر كيف استطاع فيلم “روما مدينة مفتوحة” للمخرج الإيطالي “روسيليني Rossilini” أن يقلب تاريخ السينما العالمية، وهو الذي لم تتعد كلفته 5 ملايين ليرة إيطالية، ولم يعتمد فيه المخرج على نجوم كبار، بل إن معظم أبطاله كانوا مغمورين، منهم من وقف أمام الكاميرا للمرة الأولى، كما أن لغته جاءت بسيطة وفي متناول العامة والخاصة.
وتحكي قصة الفيلم عن فتاة إيطالية تذهب بعد الحرب العالمية الثانية إلى ألمانيا لقضاء عطلتها، وعند بوابة الاستقبال بالفندق تجد حارسا عجوزا، وهو يهش لاستقبالها تتذكر أنه ذلك النازي الذي استقدمه الفاشيون الإيطاليون لتعذيب معارضي موسيلني، والتي كانت هي أيضا ضحية لهمجيته، وتنطلق أحداث الفيلم لتروي أفظع الجرائم التي ارتكبها نظام موسيلني حليف ألفُوهْرَر هتلر في حق الشعب الإيطالي الذي زج به في حرب طاحنة لا تبقي ولا تذر.. مشاهد مؤثرة جداً وحبكة عالية، وديكور بسيط يساهم الممثلون في توفيره من بيوتهم، ولكن بروح الوطنية العالية جعلت من هذا الفيلم الأرخص من حيث التكاليف، أيقونة السينما الإيطالية والعالمية. وحديث النقاد طوال الثمانينات من القرن الماضي وخاصة الأوسكارات… بينما نجد بعض محترفي السينما ببلادنا سامحهم الله يلهفون أموال الدعم لينتجوا لنا مسخا لا علاقة له بهمومنا وكأنه يتحدث عن مغرب آخر لا يوجد إلا في مخيلاتهم المريضة.. نحن في حاجة إلى مصالحة مع ذواتنا، مع شعوبنا مع أوطاننا التي منحتنا زرعها وضرعها، وقبل أن نخط شيئا أو ننتج فيلما لا بد من التفكير في إنساننا المسبي، وتاريخنا المنسي، وهمومنا الثقافية، قبل التفكير في أقوال النقاد وجوائز المهرجانات، والمشي فوق السجادة الحمراء الذي قد يتحول إلى مشي جنائزي تدفن من خلاله هويتنا وثقافتنا وحضارتنا.