مواقف وأحوال


عذرا سيدي، فلم يبلغني الخبر

عذرا سيدي، أعلى الله قدركم، ورفع مقامكم، وخلد في الصالحات ذكركم، وبوأكم بفضله من الجنة منزلا، وأفاض عليكم من بحار الأنوار، وأسبغ عليكم من لطائف الأسرار، وأكرمكم بما تسعدون به في دار القرار.

عذرا سيدي الشيخ المكرم، والسيد المعظم، بقيةَ السلف الصالحين، والأولياء المتقين، صاحبَ الدين المتين، والعلم المكين، سيدنا ومولانا مالك العربي السنوسي الإدريسي الحسني.

عذرا سيدي، فلم يبلغني خبر رحيلكم إلا بعد أن مضى عليه شهران ونيف، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

لقد عرفتك سيدي في بيتك بالعنبرية بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفت فيك العالم الصالح الكريم.

فقد فتحت لنا -أنا وأخواي عبد العزيز وعبد المجيد- بيتك وقلبك، وفرحت بتتلمذنا على يديك، وسعدتَ سعادة كبيرة، وكنت لا تخفي ذلك، فإذا دخل عليك داخل، أو زارك زائر أسرعت بالقول: هؤلاء إخواننا المغاربة، أكرم بهم وأنعم…

الشيخ مالك العربي -كما عرفته- عالم رباني، من أسرة علم وجهاد، وشرف ومُلك.

فأما العلم فأبوه محمد العربي وعمه محيي الدين وجده أحمد من رواة الموطأ والبخاري بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما الجهاد فقد كان جده السيد أحمد الشريف من كبار قادة المجاهدين ضد الإيطاليين في ليبيا والفرنسيين في تشاد والإنجليز في مصر.

وأما الشرف فهو إدريسي حسيني ينتهي نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما الملك فعمه هو الملك إدريس السنوسي الذي اغتصب القذافيُّ ملكه.

خرج شيخنا رحمه الله من بلده فارا من بطش القذافي وعصابته، فنزل بالحجاز، واستقر به المقام بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مجاورا ومعلما،

وعرف الصالحون من أهل المدينة المنورة والوافدون عليها فضله، فأكرموا وفادته، وأنزلوه منزلته، فذاع صيته، وانتشر خبره، وأقبل طلبة العلم على زيارته، وتنافسوا في الأخذ عنه،

وكيف لا، وهو وراوي أعلى أسانيد الحديث في الديار الليبية.

وقد أكرمني الله بالقراءة عليه والأخذ عنه، وهكذا أجازني في الموطأ بسنده المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قرأته عليه من أوله إلى آخره، وأجازني بسنده المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الإمام البخاري بعد أن قرأته عليه من أوله إلى آخره، إجازة معين لمعين فيهما، وأنا أرويهما عنه بالسند نفسه إلى حبيبنا رسول الله عليه السلام.

وكان من محبته لنا -أنا وأخواي- أن خيرنا في أخذ ما نشاء من مكتبته الحافلة جدا بالنفائس والأمهات، لكنا اعتذرنا إكراما لسخائه، وتقيرا لبذله وعطائه.

ولد -رحمه الله- في بلدة مرسى مطروح على الحدود بين مصر وليبيا والتابعة إداريا لمصر في يوم الجمعة الموافق 27/12/1351 هجرية.

وحفظ القرآن الكريم برواية ورش عن نافع، وأخذ الحديث عن والده وعمه وجده وغيرهم.

فر من حكم القذافي ونزل المدينة المنورة عام 1409 للهجرة وتوفي رحمه الله تعالى ليلة 26 صفر عام 1434 هجرية، الموافق 8/1/2013 وصلي عليه بالمسجد النبوي بعد صلاة الظهر، ودفن بالبقيع، كما كان يرجو ويحب، رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه جنات تجري من تحتها الأنهار.

 

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>