قال ابن الجوزي رحمه الله : (ليس في الدنيا ولا في الآخرة أطيب عيشا من العارفين بالله عز وجل، فإن العارف به مستأنس به في خلوته، فإن عمت نعمته علم من أهداها، وإن مُرّاً حلاَ مذاقه في فيه، لمعرفته بالمبتلي، وإن سأل فتعوق مقصوده صار مراده ما جرى به القدر، علما منه بالمصلحة بعد يقينه بالحكمة، وثقته بحسن التدبير. وصفة العارف أن قلبه مراقب لمعروفه، قائم بين يديه، ناظر بعين اليقين إليه، قد سرى من بركة معرفته إلى الجوارح ما هذبها.
فإن نطقت لم أنطق بغيركم
وإن سكت فأنتم عَقْدُ إضْمَارِي
إذا تسلط على العارف أذى أعرض نظره عن السبب ولم ير سوى المسبب، هو في أطيب عيش معه. إن سكت تفكر في إقامة حقه، وإن نطق تكلم بما يرضيه، لا يسكن إلى زوجة ولا ولد، ولا يتشبت بذيل أحد، وإنما يعايش الخلق ببدنه وروحه عند مالك روحه. فهذا الذي لا همّ عليه في الدنيا، ولا غم عنده وقت الرحيل عنها، ولا وحشة له في القبر ولا خوف عليه في المحشر. فأما من عدم المعرفة فإنه معثر، لا يزال يضج من البلاء لأنه لا يعرف المبتلي. ويستوحش لفقد فرضه، لأنه لا يعرف المصلحة، ويستأنس بجنسه لأنه لا معرفة بينه وبين ربه، ويخاف من الرحيل لأنه لا زاد معه ولا معرفة بالطرق. وكم من عالم وزاهد لم يرزق من المعرفة إلا ما رزق العامي البطال، وربّما زاد عليهما. وكم من عامي رزق منها ما لم يرزقاه مع اجتهادهما!! وإنما هي مواهب وأقسام {ذلك فضل الله يوتيه من يشاء}.
ذ. منير مغراوي
> صيد الخاطر ص 133- 134