بِنَبْضِ القلب – طارق في بطن الحوت


طارق شاب كغيره من الشباب، لم يقرأ شيئا عن طارق بن زياد لأن رجله لم تطأ حجرة الدراسة، غير أنه قرر أن يعبر المتوسط كما فعل طارق الفاتح العظيم، إلا أن صاحبنا طارق لم يكن همه أن يوقف زحف الفرنجة وأن يقاتل جيوش “اللوذريق” ملك إسبانيا، كان هم طارق عصرنا بعيدا عن هموم الفاتح، كان بلا رسالة ولا هدف سوى اقتناص لقمة عيش بعيدا عن وطنه وأهله، حتى ولو غمست في مرق المذلة، جمع طارق عدته وباع حلي أمه ثمنا للعبور الكبير، فانتهى به الأمر في جوف ا لبحر وأصبح لقمة سائغة لحيتان المتوسط، بينما القليل من أصحابه الذين عبروا، إما أصبحوا هدفا لكلاب البوليس الإسباني أو مقيمين في مراكز إعادة التأهيل في انتظار شحنهم إلى بلدانهم الأصلية.. مات طارق إذن وهو يقاتل من أجل السراب من أجل حياة جميلة رسمها في مخيلته الغضة، آملا أن يعود يوما وهو يمتطي سيارة رائعة، ويتزوج من خديجة “بنت الحومة” التي أحبها ولم يستطع الظفر بها… مات طارق وهو يحمل هم أمه التي باعت آخر ما تبقى لها من حلي أبيه التي زينها بها ليلة عرسها… ولما علمت بغرق ابنها ابتلعت لوعتها وانخرطت في نحيب دائم… تذكرته وهي حبلى به، كان ابنها البكر الذي انتظرته بشغف، وأرضعته بماء قلبها، وظلت تجتر حزنها حتى لحقت به. طارق أيها الفتى الضائع!! بالأمس أحرق طارق بن زياد الفاتح سفن اللاعودة رافعا شعار “النصر أو الشهادة” وأنت اليوم أحرقت أوراق هويتك التي افتقدتها في وطنك… الناس يموتون من أجل الوطن من غير رسالة تحملها معك لأهل الضفة الأخرى كما حملها طارق… وأن تموت فرارا من الوطن… رحمة الله عليك وعلى أمثالك، وغرس الله في قلب أبناء هذا الوطن حبه وحب ترابه… فالوطن يبقى وطنا حتى ولو استبدت به ذئاب وتماسيح البشر.

ذ. أحمد الأشـهـب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>