من التقاليد التي عرفتها فرنسا في عهد الملكية، وجود ما يسمى “بمجنون القصر “Le fou du palais” حيث عرفت قصور ملوك فرنسا هذه الشخصية المثيرة للجدل، وكانت جزءا من الحياة الصاخبة والمستهترة… كان من مميزات هذه الشخصية التي لا يستغني عنها الملوك أن تعري الصورة المنافقة لحاشية الملك، وأن تصفع بالحقيقة السافرة كل المتملقين سواء كانوا أمراء أو وزراء… وحدث مرة أن مات مجنون القصر الذي كان بحاشية “لويس العاشر” فحزن عليه الملك حزنا كبيرا، وحينما سأله كبير وزرائه عن سر هذا الحزن المبالغ فيه تجاه شخص تافه على حد زعمه، رد عليه الملك ” إنه الشخص الوحيد من حولي الذي نطق بالحق”” C’est le seul homme franc qui a été autour de moi”.
إن آفة المجتمعات الحديثة هي النفاق السياسي الذي يخفي حقيقة الأوضاع المزرية عن ولاة الأمر، فإذا ابتلي الحاكم بحاشية فاسدة وبطانة مفسدة، ضاعت حقوق العباد ونهبت خيرات البلاد حتى ولو حاول هذا الحاكم أن يرقى بشعبه ووطنه، ويسوي بالعدل ونكران الذات، “فعندما يطغى النفاق السياسي حتى يعمر العالم، فإن مجرد قول الحقيقة يصبح قرارا ثوريا” على حد تعبير “جورج أورويل”..
فمتى تنتبه الطبقة الحاكمة في عالمنا العربي والإسلامي إلى هذه الآفة، وأن لا تنخدع بأقوال البطانة المفسدة التي لا هم لها سوى التمكين لنفسها ولعائلاتها، على حساب المصلحة العامة، ورضي الله عن سيدنا علي بن أبي طالب صاحب الحكم البليغة وابن عم المصطفى رضي الله عنه دائما وحين يقول :
ولا خير في وُدِّ امرئ متملق
إذا ما الريح مالت مال حيث تميل
وقل الحق من ربك