واجبـات حافـظ القـرآن فـي الـمجـتمع


إن حفظ القرآن الكريم قد رغب فيه الشارع الحكيم وحث عليه ويسره لمن أراد حفظه فقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}(القمر : 17)، وقال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}(العنكبوت : 49)، فأحق من يقال له صاحب القرآن هو الذي جمعه في صدره وعمل بما فيه، وقد سماهم الله بالذين أوتوا العلم.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها: (مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران) (رواه البخاري)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: : >لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثلما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل<(رواه البخاري). وإن معاهدة الحفظ أشد من الحفظ، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: >تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها<(رواه البخاري). هذه وصية من الرسول صلى الله عليه وسلم لحافظ القرآن أن يتعاهده ويستذكره ويواظب على تلاوته حتى لا يتفلت من صدره. فعلى حافظ القرآن الإكثار من تلاوته والقيام به آناء الليل والنهار. ولا يغتر أيضاً بالحفظ فيترك العمل، بل الواجب على حامل القرآن العمل بما فيه وتعظيم مكانته، يقول الفضيل ابن عياض: (حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو تعظيماً لحق القرآن). ولما كان حافظ القرآن له من الشرف والقدر ما ليس لغيره كان عليه من الواجبات ما ليس على غيره، فمن ذلك: 1) أن يكون متخلقاً بأخلاق القرآن، ومتأدباً بآدابه، وأن يلتزم أوامره ويقف عند نواهيه حتى يكون مقيماً لحروفه غير مضيع لحدوده فيصبح مترجماً لهذه الأخلاق والآداب والأوامر إلى واقع عملي يبرهن صدق الالتزام ويبعث على القدوة، يقول القرطبي رحمه الله في تفسيره: (يجب على حامل القرآن وطالب العلم أن يتقي الله في نفسه ويخلص العمل لله، فإن كان تقدم له شيء مما يكره فليبادر التوبة والإنابة وليبتدئ الإخلاص في الطلب وعمله، فالذي يلزم حامل القرآن من التحفظ أكثر مما يلزم غيره، كما أن له من الأجر ما ليس لغيره). 2) على حافظ القرآن المبادرة بالقيام بالمهام التي قدمه فيها الشارع على غيره كالإمامة في الصلاة وغيرها إلا أن يوجد غيره، ولا يمتنع ولا يتكاسل عن هذه الأمور؛ لأنه أحق بها من غيره. 3) ومن تمام فضل الله على حامل القرآن أن يُعلِّم هذا القرآن غيره، وأن يحتسب في إقراء صغار المسلمين وكبارهم، وعليه النصيحة لهم وأن يحثهم على التعليم، وأن يكون تعليمه لهم برفق وتلطف وأن يعفو عن إساءتهم وأن يرحم صغيرهم ويحترم كبيرهم فيحظى بالخيرية في قول النبي صلى الله عليه وسلم >خيركم من تعلم القرآن وعلمه<. 4) وعلى قارئ القرآن أن يتعلم من دين الله ما يجب عليه وكلما ازداد من العلم ازداد من الخير والرفعة عند الله، فإنه يقبح بقارئ القرآن أن يكون جاهلاً بدين الله، ولقد كان العلماء عند السلف من الصحابة والتابعين يسمون (القراء) لأن من قرأ القرآن وتعلمه فهو العالم حقاً. 5) أن يحذر من احتقار الناس والتكبر عليهم ويرى نفسه خيراً من غيره بل يتواضع ويهضم نفسه، وبخاصة مع الفقراء والمساكين، وأن يتجنب التكبُّر والإعجاب، ويترك الجدال والمراء، ويأخذ نفسه بالرفق والأدب. 6) ويجب عليه أن يصون نفسه عن مذلة أهل الدنيا فينال بالقرآن شيئاً من الدنيا أو يتقرب بقراءته أو تأويله إلى أهل الشهوات والزعامات ممن لم يرفعوا بهذا القرآن رأساً، بل الواجب تعظيم القرآن والاعتزاز به، وأنه أكبر نعمة وأعظم ذخر لمن أراد الله والدار الآخرة. 7) وينبغي له أن يكون عنده من الورع ومن التقوى ما يحجزه عن الوقوع فيما لا تحمده عقباه من المشتبهات والشبهات، وأن يباعد نفسه عن مجالسة البطالين وأهل اللهو والإغراق في أمور الدنيا؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه : >ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون)، وقال عبد الله بن عمرو: (لا ينبغي لحامل القرآن أن يخوض مع من يخوض ولا يجهل مع من يجهل، ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن؛ لأن في جوفه كلام الله تعالى<. 8) ويجب أن يكون حامل القرآن بفضل القرآن وعلمه به في المجتمع مأمون الشر مرجو الخير، وأن يسلم الناس من لسانه ويده، وأن يكون بعيداً عن الغلو والجفاء في آن واحد، فهذا هو المسلم حقاً. 9) وعلى حامل القرآن أن يكون داعية خير في المجتمع بالحكمة والأسلوب المناسب في الأوقات المناسبة وأن يكون القرآن مصدره الأساسي في دعوته وأن يحرك به القلوب ويدعو الناس إليه والعمل بما فيه. 10) ومن أعظم الواجبات على كل مسلم عموماً وحامل القرآن خصوصاً أن يغضب إذا انتهكت محارم الله أو قصر في واجبات الله فيدعوه ذلك إلى القيام بأمر الله والإنكار على من تعدى حدود الله بالحكمة والأسلوب المناسب كل بحسبه، وكل على قدر علمه واستطاعته، فيكون بذلك حامل القرآن من المصلحين والساعين إلى نجاة سفينة المجتمع، وكفى بذلك شرفاً.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>