مجرد رأي – بلاد الشام بين الأمس واليوم…


…قبل ما يزيد عن ثلاثة عشر قرنا من الزمن قال الخليفة العادل عمر بن العزيز رحمه الله لبعض عماله وقد جاؤوا يخبرونه بأن مخازن الحبوب قد امتلأت ولم يجدوا أين يضعون فائض حبوب الزكاة لوفرتها، فقال لهم رحمه الله قولته المشهورة : “انثروا القمح على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين”. واليوم يملأ طاغية سوريا سماءها بالقنابل العنقودية ولسان حاله يقول لأكابر مجرميه : “انثروا الدمار على رؤوس الجبال حتى لا يقال ثار طفل في بلاد الشام”. ومن عجائب التدبير الرباني تصيب بعض هذه القنابل ضريح الخليفة عمر بن عبد العزيز فتلحق به أضرارا بليغة. مهدت بهاتين الواقعتين المتناقضتين للتدليل على البون الشاسع بين حاكم عادل يخشى ربه ويحفظ كرامة شعبه بل ويُعْنى بإطعام الطيور في السماء، وبين حاكم ظالم يسوم شعبه الخسف والهوان ويعمل فيهم ذبحا وتقتيلا وسفكا للدماء. وقد وسع بطشه الأحياء والأموات وحتى الدواب على حد سواء. هو ذا حال بلاد الشام، أرض المحشر والمنشر ومنبع الرسالات والأنبياء. أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهلها خيرا وبارك فيهم ودعا لهم بالخير والسداد، فقال صلى الله عليه وسلم : >اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا<. أرض بهذا الجلال والجمال تدك بقنابل الغدر والخيانة وتتساقط عليها شهب المدافع والنيران نهارا جهارا حتى أنك لا تكاد ترى بناء واحدا قائما على قواعده بما في ذلك بيوت الله والصوامع. ولا تسأل عن أهلها الشجعان من شيوخ ركع وأطفال رضع وحرائر تدمع وشباب أبي شجاع بين شهيد وطريد ولاجئ في بلاد الله بلا مأوى أو مفقود أو قابع في سجون الظلم والطغيان. يقع كل هذا وما خفي أعظم أمام صمت العالم المريب ومعه جميع المنظمات الدولية المنافقة التي تقيم الدنيا ولا تقعدها على انتحار فتاة أجبرت على زواج لا تريده أو على شاب مخمور قتل سهوا في أحد خمارات العواصم الغربية، ولا تحرك ساكنا إزاء مجزرة حقيقية يقيمها نيرون سوريا ضد شعبه الأعزل بدم بارد… مجزرة اعتبرها مبعوث أمريكا المفضل الأخضر الإبراهيمي مجرد “حرب أهلية بين طوائف مختلفة”، مساويا في ذلك بين الجلاد والضحية. وبالمناسبة فالرجل أينما ذهب ترك وراءه الدمار والخراب، أينما يوجهونه لا يأتي بخير أبدا (أفغانستان والعراق نموذجا) فالرجل إنما يسوق لنظرية مفادها أن المعارضة السورية مخترقة من قبل القاعدة والفصائل الجهادية المختلفة وهي النظرية التي يروج لها الإعلام الغربي بشكل مكثف وتطمئن إليها الحكومات الغربية وأمريكا ومعها بطبيعة الحال العديد من الأنظمة العربية. ولعل هذا ما يعين على تفهم تراجع الدعم الغربي للمعارضة السورية والجيش الحر في الآونة الأخيرة. ويترك الشعب السوري البطل يواجه الإبادة لوحده بصدور أبنائه العارية وَهِمَمِهم العالية وكأن ربك العليم الحكيم أراد لهم ثورة خالصة لا شية فيها، {لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} ويومئذ يفرح المومنون بنصر الله. ويخسأ الكافرون والمنافقون والناكصون على أعقابهم. وإن غدا لناظره قريب والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. ذ. عبد القادر لوكيلي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>